كتاب سبر

المواقف الثابتة محل احترام

الرأي قبل شجاعة الشجعان

                           هو أولاً وهي المحلّ الثاني

                                                             المتنبي



 جميل أن ترى اهتمام البعض ممن يتبوؤون منصباً سياسياً أو منزلة دينية أو أدبية أو حتى من عامة الشعب بقضايا أمته وقضايا وطنه، جميل أن تراه يحمل همّ مشاركة الآخرين همومهم وغمومهم، وجميل أن تراه يمارس إنسانيته الخالية من الرتوش ومواد التجميل مع من يحتاجون إليه، وجميل أن يحاول التخفيف عن مسكين مكلوم ومضطهد مظلوم بحسب استطاعته، وأن يجلب بخيله ورجله من أجل أن يناصر قضاياهم الحقة، وأن يحشد الصفوف للقيام بالمظاهرات، ويحث الحناجر؛ لتصدح في الندوات، ويرفع اللافتات والشعارات، ويكتب المقالات في الصحف والمجلات، ويستحث المحابر ويعتلي المنابر ويحاول جاهداً رفع الظلم عن المظلوم والأخذ على يد الظالم.



كل ماذكرته آنفاً جميل ومدعاة فخر لمن يقوم به، لكن غير الجميل أن يقتصر كل ما سبق من نصرة ودعم وتأييد ورفع للظلم وأخذ على يد الظالم على فئة دون أخرى، وعلى قضية دون قضية، وعلى بلد دون بلد، لاعتبارات طبقية أو عنصرية أو مذهبية، أو لأنها في نظره قضية ذات مكاسب محدودة، أو لأنه يراها قضية خاسرة حتى لو كان يؤمن بأحقية أصحابها.



ذلك الكيل بمكيالين والنظر بمنظارين قد يفقد الإنسان مصداقيته في الدفاع عن بعض القضايا، وقد يكشف شيئاً من قبيح وجهه الذي حاول ستره ببعض المواقف النبيلة مع قضايا أخرى، فالحناجر التي صدحت في عديد الندوات ما بالها أصابها الخرس حين احتاج إليها بعض المستضعفين؟! والأقلام التي كان مدادها البحر وهي تكتب عن بعض القضايا، مابال حبرها قد جف لقضايا أخرى حقة؟! والقضايا التي رفعت غضبا للنفس ضد قنوات أو صحف أو كتّاب، ما بالها افتقدتها ساحات القضاء انتقاما لله وانتصارا لعرض رسوله حين نال منه السفهاء؟! والخطب الرنّانة التي كانت تلقى من على المنابر ويتفاخر أصحابها بقرارات وقفهم، مابا لها احتجبت حياءً حين رفعت امرأة مضطهدة تعيش بين ظهرانيهم لافتة كتب عليها “وا إسلاماه”؟! وقوافل الخير التي سيرت لنصرة بعض إخوتنا، مابالها نست أن تتوقف في محطة المساكن الشعبية في الصليبية وتيماء وملاحق بيوت جليب الشيوخ وبيوت القصر في الجهراء، لعلها تسد جوع جائع أو تنفس كربة مكروب؟!.



إن السير في طريق مستقيم بلا اعوجاج لدليل واضح على مصداقية في الطرح وثبات في الموقف واعتزاز بالرأي، ومدعاة لاحترام صاحبه، وإن اختلفت معه، وإن السير في طريق معوجّ لدليل على اعوجاج في فهم صاحبه وانحراف في نظره، ودليل على تلونه بحسب المصالح، حاله كحائل القائل:



                                   يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ          وإن ألاقي معدّياً فعدناني



وإن المواقف الثابتة لا تزعزعها رياح المصالح، والمبادئ الحقة لا تؤثر فيها عوامل تعرية الأخلاق، والمصداقية في الطرح لا يعكر صفوها زمن الزيف، وإن القضايا الحقة وإن بدت خاسرة، فإنها هي من سيربح في النهاية وعند الله تجتمع الخصوم.



ختامها شعر:



إذا ما الدهر جرّ على أناسٍ

كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا



 ذو الإصبع العدواني