كتاب سبر

شكراً “بوعسم”،،،

يلتقط القلم فيتنفس المكلومون الصعداء، يخرج سيجارته – كفاه الله شرّها – فتشرئب له أعناق المضطهدين، يقبل فنجان قهوته بقوة، ويرتشف منه خلسة بعض القهوة دون أن يشعر به الفنجان أو نشعر به نحن، فتلوح في الأفق بارقة أمل لمقالة رائعة كان ينتظرها المظلومون، فتلك هي طقوسه التي حفظناها منه من خلال متابعة تغريداته.
لايمسك القلم كما نمسكه نحن، بل أخاله يمسكه كما يمسك أحد الفنانين التشكيليين ريشته؛ ليرسم لنا لوحة لا يمكن أن نعي ما تضمنته دون أن ندخل في حالة اللاشعور ونغوص في أعماقها ونسبر أغوارها، وأخاله أحيانا يمسكه كما يمسك قائد فرقة الأوركسترا عصاه التي ليس له فيها مآرب أخرى، فيحركها؛ لتتراقص الحروف وتشكل سعيدة كلمات حق بدت متآخية في أجمل جمل لتشكل أجمل مقطوعة يسمعها كلّ من لم يصمّ الباطل أذنيه.
ذاك هو المبدع “بوعسم” الذي أحببناه بهذا الاسم وسيبقى هذا الاسم عالقاً في أذهاننا حتى بعد كشفه الستار عن اسمه الحقيقي، وكشفه اللثام عن وجهٍ طفولي ممتلئ حلماً, لكنه يبعث برسالة للخصوم مفادها “اتق شرّ الحليم إذا غضب”. يجبرنا عند الدخول إلى سبر أن نرفع أصواتنا قائلين ونحن ندخل بقدمنا اليمنى: السلام عليكم دار قومٍ مبدعين، أنتم السابقون إلى الإبداع وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، كما يجبرنا أن نلتفت فور دخولنا لـ سبر جهة يمين الشاشة علّنا نرى صورته التي تبشّرنا بقدوم مولودة جديدة له فنبادره القول بورك لك في الموهوب من الإبداع وشكرت الواهب الذي وهبك هذا الإبداع ورُزقت متابعتنا.
في مقاله الأخير المعنون بـ ” طفل بدون طفولة ” تفوق الرائع “بوعسم” حتى على نفسه حين تكلم بوجدانية بحتة، وتقمص الدور بشكل يعجز عنه جميع الممثلين ولا أعني هنا بالطبع الممثلين على الشعوب فهم فشلة حتى في التمثيل.
قرأت مقالته المذكورة، فخلته لفرط المعاناة التي جسدها لنا في مقالته لا يحمل شهادة ميلاد، ويستعيضها بورقة حمراء كبيرة الحجم تسمى بلاغ ولادة تثبت أنه مولود ذكر فقط، وخلته من هواة الهروب من الدوريات عبر الأزقة والشوارع الضيقة؛ لأنه لا يحمل رخصة قيادة، وخلته من هواة الجلوس على الرصيف لا للعب البلوت، بل لبيع الرقي والطماطم؛ ليسد بها حاجته فهي خير من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه، وخلته قد تخرج من ساحات مدارس مشاعل الجهراء والطليعة والأهلية التي تعتبر المدارس الحكومية إذا ما قورنت بها فنادق ذات خمس نجوم.
كل ذلك قد يكون تبادر لذهن كل من لايعرف “بوعسم”، وما ذلك إلا بسبب المصداقية التي احتوتها مقالته وحجم المعاناة التي جعلنا نشعر بها ونحن نشاهد الصورة ونغلفها بجميل حروفه. قد تكون حروف أصحاب القضية أكثر ألماً وأقوى شرحاً لحجم المعاناة التي يعيشونها ليل نهار، ولكن الرائع “بوعسم” بمقالته تلك جعلنا نشعر بأنه من أصحاب تلك القضية، فشكرا “بوعسم” لأنك أجبرت عيوننا على أن تذرف الدموع في زمن جفت فيه المآقي، وشكراً “بوعسم” لأنك لم تبحث عن تصفيق يصم دويه الآذان بقدر ما كنت تبحث عن كلمة حق أمام إعلام جائر، شكراً “بوعسم” لأنك جسدت لنا كيف يكون الحق واضحا في زمن الزيف وضوح الشعرة السوداء في مفرق شيخ هرم قد شاب شعره، 
شكراً “بوعسم” وهذا الشكر ليس مني فقط، بل هو أمانة حملني إياها جلّ من واجهتهم ممن أثرت فيهم مقالتك، ومن لم يبح بذلك منهم فإني قد قرأته في عيونهم.