أقلامهم

عبدالله النيباري: الحكومة تقف كأبي الهول إزاء فضيحة الإيداعات.. فهل نستغرب أن يتعاظم الغضب الشعبي ويطالب بالإطاحة بها وبرئيسها؟

هكذا تعاملت الحكومة مع الإيداعات المليونية


عبدالله النيباري


الكويت تواجه سلسلة من الأزمات، والعديد منها متعلق بقضايا فساد وتعدّ على مصالح الدولة، والسؤال المطروح هو كيف تعاملت أو تتعامل حكومتنا مع هذه القضايا التي تُعد خطرة؟
ولنأخذ مثالا ع‍لى ما يجري في دول أخرى، ولتكن دولة بريطانيا العظمى، وكيف تصرّفت أمام قضية تعتبر صغيرة جداً، أو تافهة بالمعايير الكويتية.
القضية تتعلق باستقالة وزير الدفاع، فلماذا استقال؟ في الأسبوع الثاني من أكتوبر نشرت الصحف البريطانية، أن وزير الدفاع ليام فوكس يصطحب معه شخصية غير رسمية في اجتماعاته وسفراته الرسمية، هذا الشخص صديق حميم لوزير الدفاع اسمه ادم وريتي، ويقول تقرير ابتدائي إن وريتي قد حضر اجتماعات معه بلغ عددها 40 اجتماعاً، منها 18 اجتماعا اثناء السفر في رحلات رسمية، وانه يستخدم بطاقة شخصية تحمل اسمه وصفته كمستشار خاص لوزير الدفاع، مستشار خاص ولكن غير رسمي، فحسب النظام البريطاني، مرافقو الوزير في الاجتماعات والسفرات واعضاء مكتبه تعيّنهم هيئة الخدمة العامة، ولا يعيّنهم الوزير شخصيا، تفاديا للمحاباة وتعيين الأقارب.
وفوكس هذا، وعمره 50 سنة، من كبار شخصيات حزب المحافظين الحاكم، ومحسوب على المحافظين الجدد، أي اليمين المتشدد في بريطانيا وأميركا من بقايا تاتشر وريغان.


الموساد
ومن الأمور التي كشفتها الصحافة أن ادم وريتي كان على علاقة بالموساد الإسرائيلي، ودفعوا له قيمة تذاكر سفر بالدرجة الأولى وإقامة في الفندق، وتحدث جريدة التايمز عن حصوله على تبرعات من أغنياء بمبلغ 228 ألف دولار استرالي لصندوق شركة غير ربحية يديرها ادم وريتي.
اشتعلت الصحافة البريطانية وانشغلت بالقضية، ودار الحديث في أوساط حزب المحافظين بضرورة رحيله، ولكن حاول تهميش القضية، إلا أنه وأمام هذه الضجة تحرّك رئيس الوزراء كاميرون بعد أيام من إثارة الضجة، وطالب بتحقيق، على أن تسلم نتيجة التحقيق الى مكتبه يوم الاثنين، وما ان سلم التحقيق في الميعاد لم يأت يوم الأربعاء حتى تقدم ليام فوكس وزير دفاع بريطانيا العظمى بالاستقالة، ولم يقف أحد يدافع عنه، فيما عدا كلمة شكر من رئيس الوزراء، قائلاً إنني أتفهم أسباب استقالتك، وانك أديت لبلادك خدمات جليلة في ادارة دور بريطانيا في حربي افغانستان وليبيا.
اما اسباب الاستقالة كما أوردها الوزير نفسه، فهي مخالفة لقواعد السلوك والتصرف التي يجب أن يتمسّك بها من يتولى منصباً عاماً، موظفاً او وزيراً او نائبا في البرلمان، او بطبيعة الحال، قاضياً. لم يتحدث أحد عن فساد او استفادة مادية أو حتى خرق للقوانين، فقط مخالفة قواعد السلوك والتصرف الواجبة الاتباع والالتزام لمن يتولى منصبا عاما، لم يستول. أحد على أراض ولا رمل ولا ديزل، ولا حتى شيّد بناء فوق الأرصفة، ولم يحصل أحد على شيكات ولا أرسل أفواجا للعلاج السياسي، وطبعا لا ايداعات مليونية حتى لو كانت بالليرة اللبنانية.
نأتي إلى كيف تصرفت وتتصرف حكومتنا العتيدة، فمنذ شهر أغسطس انكشفت فضيحة الايداعات المليونية لحوالي ربع أعضاء السلطة التشريعية، وهم الأعضاء المؤتمنون والمقسمون على حماية أموال الدولة ومصالحها وان يقوموا بأداء واجبهم بخالص الأمانة والصدق، وقد اثارت هذه الايداعات اسئلة كثيرة.
1 – ما هي مصدرها، أي من الذي دفع؟ وإذا كانت رشوة فمن هو الراشي؟
الاحتمالات تشير إلى أن مصدر التمويل سياسي، فمن غير المعقول ان يكون 13 نائبا مشتركين في قضية غسل أموال، جائز أن يكون المشترك واحدا أو اثنين، لكن 13 فهذه كارثة اجتماعية فوق انها سياسية.
2 – من هم أصحاب الايداعات؟ ولماذا التستر على أسمائهم؟ نحن نجد من يتخلف عن دفع قسط سيارة أو قرض يمنع من السفر، ويصدر بحقه ضبط واحضار، والمحالون إلى صندوق المتعثرين تنشر اسماؤهم في الجريدة الرسمية، فلماذا التستر على المشتبه فيهم في قضية الايداعات المليونية؟
3 – هل تأخرت البنوك في التقدم بحالات ايداعات بما يزيد على الحد الأقصى بموجب تعليمات البنك المركزي؟ وإذا كان ذلك فما هي الأسباب؟ ولماذا لم تتقدم البنوك بادعاءاتها إلى النائب العام إلا بعد مبادرة القبس بنشر معلومة عن ايداعات نقدية لنواب بملايين الدنانير؟
4 – ما هو دور البنك المركزي، ولماذا لم يتحرك؟ أليس هو الذي أصدر تعليمات حول حدود الايداع النقدي؟ أليس من واجبه مراقبة التزام البنوك بتعليماته؟ وكم عدد الحالات التي سبق أن اعترض عليها البنك المركزي؟ وهل قدم تقريرا لوزير المالية بخصوص هذه الايداعات، وما إذا كان لها مثيل في السابق؟
فالشكوك تشير إلى ان المسألة ليست آنية، والغالب ان لها امتدادا زمنيا يعود إلى آماد طويلة، فلماذا لم يتحرك البنك المركزي بتقرير بشأنها؟
5 – الآن نأتي إلى بيت القصيد، موقف الحكومة من قضية الايداعات المليونية، ولماذا السكوت عن طريقة «عمك أصمخ»؟ لقد مضى على القضية الفضيحة ثلاثة أشهر أو أكثر والحكومة ملتزمة الصمت، ويصرح بعض أعضائها تعليقا على كلام الصحف وأعضاء مجلس الأمة والتحركات الشعبية بقولهم أين الدليل؟ أليس هذا موقفا غريبا؟ هل تنتظر الحكومة أن يقدم المواطنون الدليل؟ أليس ذلك هو دور الحكومة وأجهزتها؟ إذاً لماذا هناك حكومة؟ تحركت الحكومة على نشاط التويتر والفيسبوك والتجمعات الشعبية، وقوى الامن تلاحق المواطنين في كل ندوة وكل تجمع ولسان طويل على مواجهة الاضرابات بالحزم والشدة حتى لو أدى ذلك إلى استخدام قوى الأمن.
أما قضية فساد شراء ذمم أعضاء في مجلس الأمة إلى جانب سرقات الرمل والديزل، والتحويلات من وراء ظهر وزارة الخارجية كتحويل مليونين لمن يخالف قوانين الرياضة، فكل هذه الأمور، تقف الحكومة ازاءها كما أبو الهول، لا أرى ولا أسمع.
إذا كانت قضية اصطحاب وزير الدفاع البريطاني لصديقه في سفرات واجتماعات فقط لا غير اثارت ضجة ادت إلى استقالة الوزير، وكادت تطيح بحكومة كاميرون، لمجرد رفقة سفر، فعندنا رفقاء السفر بالمئات وبدل الطيارة طيارتان.
فهل نستغرب ازاء ذلك ان يتفاقم الغضب الشعبي ويطالب بالاطاحة بالحكومة ورئيسها؟