أقلامهم

الجاسم: لابد من جبهة وطنية لإنقاذ الكويت.. فالعمل البرلماني وحده لم يعد مجدياً

في موقعه (ميزان) كتب المحامي محمد عبدالقادر الجاسم مقالاً رأى فيه أن العمل البرلماني المدعوم بالمهرجانات والخطابات لم يعد مجدياً لاستئصال الفساد المتغلغل، بل لابد من تحرك شعبي عبر تأسيس جبهة وطنية لإنقاذ الكويت.
وفي مقاله أيضاً قال الجاسم إن استمرار المواجهة في إطارها التقليدي الحالي يعني حتما نجاح (الحكومة) في تجاوز كل المشاكل التي تعترضها في مجلس الأمة..
المقال يستحق القراءة والتعليق لكم:



السلطة وإنكار الواقع!
محمد عبدالقادر الجاسم

المواجهة من أجل تحقيق الإصلاح والتغيير في الكويت لم تعد تحتمل استمرار معادلة (نواب × الحكومة)، بل لابد من تأسيس جبهة وطنية لإنقاذ الكويت تضم نواب وسياسيين ممن هم على استعداد حقيقي للتضحية.. جبهة وطنية تنخرط في العمل السياسي الشعبي المباشر، وتعمل على استمالة أكبر عدد من المؤيدين لها في إطار جهود إنقاذ البلاد من سيطرة مؤسسة الفساد على القرار ومن تفشي الفكر المتخلف في إدارة الدولة.
إن استمرار المواجهة في إطارها التقليدي الحالي يعني حتما نجاح (الحكومة) في تجاوز كل المشاكل التي تعترضها في مجلس الأمة، فلا يمكن إسقاط مؤسسة الفساد عن طريق الاستجوابات والمهرجانات الخطابية. وإذا كان بعض النواب قد اقترب مؤخرا من إدراك هذه الحقيقة، وبدأت تظهر على السطح بعض الأفكار ذات الطابع السياسي لا ‘التكتيكي’، فإن عليهم الإقرار بأن المواجهة ‘البرلمانية’ التي يقودونها لإسقاط ناصر المحمد استنفدت جدواها بعد سيطرة السلطة على قرار الأغلبية في مجلس الأمة الذي أصبح مجرد “ديكور دستوري” للسلطة. لقد تم استجوابه مرات ومرات.. اتهم علنا وبالاسم بالفساد.. ارتفعت الأصوات المطالبة برحيله.. ومع ذلك كله لم يعلق ولم يدافع عن نفسه. فناصر المحمد يشكل واجهة مناسبة جدا لامتصاص “الصدمات”، لذلك فإنه لم يعد من المجدي استمرار الاكتفاء بالعمل البرلماني، ولابديل عن العمل السياسي الشعبي في المواجهة. وعلى النواب المخلصين ألا يخشوا من أفول نجوميتهم أو فقدان دورهم، ذلك أن الأمر يحتاج انتقالهم من ساحة “العمل البرلماني” إلى ساح “العمل السياسي”. إن هذا الانتقال يساعد على بلورة مفهوم المعارضة في الكويت، فنحن في حاجة لأن تكون لدينا جبهة معارَضة لا شخصيات معارِضة.
وفي تقديري الشخصي، فإن المرحلة الراهنة مناسبة تماما لتحقيق الانتقال من العمل البرلماني الفردي “التكتيكي” البحت إلى العمل السياسي الجماعي المختلط لإنقاذ الكويت، ذلك أن السلطة، كما يبدو لي، قد دخلت على نحو مبكر جدا في مرحلة “إنكار الواقع” أو الانعزال عن الواقع’ (state of denial)، وهي مرحلة يصعب فيها على السلطة تمييز الأمور كما ينبغي. وخلال هذه المرحلة يتم اختطاف القرار من قبل مؤسسة الفساد، ومن ثم تقوم هذه المؤسسة “بإدارة المواجهة” بما يخدم مصالحها بحجة حماية السلطة.
إن الشيكات “الرئاسية” والإيداعات “المليونية” والتحويلات الخارجية من المال العام “للاستعمال الخاص”.. كل هذه الفضائح لا تكشف المدى الذي بلغه الفساد في البلاد فقط، بل هي تكشف أيضا مقدار التمادي واللامبالاة من قبل الأطراف المتورطة فيها، فلم يعد لدى مؤسسة الفساد “حد أدنى” تقف ممارساتها عنده.. وهذا ما يكشف النظرة الحقيقية للأطراف المتورطة في الفساد والداعمة له إلى الشعب الكويتي.. نظرة كلها استهزاء وعدم اكتراث. وهكذا، ومن خلال استمرار الحكومة الحالية ومجلسها “المنتخب” الفاسد، وعبر سلسة من القرارات الخاطئة، وبمرور الوقت، يتراكم الاستفزاز “السلطوي” الذي يستدرج المزيد من “الاستياء الشعبي”، فتغدو مواجهتنا لقوى الفساد والإفساد، ومساعي التغيير والإصلاح وتطوير منهج إدارة الدولة أكثر جدية وأبلغ تأثيرا لأن الشعب سوف يصبح شريكا في تلك الجهود وليس مجرد جمهور يصفق لهذا النائب أو ذاك.
في مرحلة رئاسة الشيوخ صباح السالم وجابر الأحمد وسعد العبدالله رحمهم الله جميعا، وفي مرحلة رئاسة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد لمجلس الوزراء، كان هناك حد أدنى وحد أقصى لكل شيء. أما اليوم، في عهد رئاسة ناصر المحمد، فلا حدود ولا قيود، فقد نجحت مؤسسة الفساد والإفساد في تدمير المجتمع إلى حد كبير من دون رادع.. لذلك لم يعد “العمل البرلماني” المدعوم بالمهرجانات الخطابية وحده مجديا.
لقد انتهت تلك المرحلة التي كان “العمل البرلماني” فيها يكفي لوحده للحد من “الخراب”. لقد كان “العمل البرلماني” في السابق يحقق بعض التوازن السياسي، أما اليوم فإن الكويت تعيش حالة من الاضطراب بسبب انعدام التوازن، ولن يعود التوازن إلا إذا ظهر العمل السياسي الشعبي كمعادل لنفوذ السلطة.