أقلامهم

عبدالله النيباري يرى أن الوضع السياسي الكويتي لايبشر بخير فلا ضوء في نهاية النفق، والأزمة تتسع وتتعمق

الحكومة تنتهج سياسة “لا أرى.. لا أسمع.. ولا أستوعب”


الكويت أمام نفق مظلم



بقلم عبدالله النيباري


المشهد السياسي الكويتي وتطوراته لا يبشران بخير، فلا ضوء في نهاية النفق، فأزمتنا تتسع وتتعمّق، وقضايانا، أو بالأحرى، مشاكلنا تزداد تشابكاً وتعقيداً.
فقبل أسابيع كان عنوان الأزمة «الإيداعات المليونية» التي أثارت سخطاً واستياء شعبيين واسعين، ثم تلتها قضية الإضرابات لزيادة المرتبات، التي طفت على السطح بسبب تخبّط النهج الحكومي في أسلوب المعالجة الذي أدى إلى تفاوت في جداول المرتبات بين فئات العاملين في القطاع العام، فلجأت الفئات المغبونة إلى الإضرابات مطالبة بمساواتها بمن رفعت مرتباتهم، وخضعت الحكومة صاغرة وبلعت تهديداتها باستخدام الحزم، وربما العنف وقوى الأمن لمعالجة آثار الإضرابات على توقف العمل في بعض الجهات.


لغم آخر
وفيما نحن منشغلون بكل ذلك، إذا بنا نواجَه بتفجّر لغم آخر في ملف الحكومة، أو رئيس الوزراء، عندما عرض النائب مسلم البراك في اللقاء الجماهيري الذي اعتبر أكبر تجمع في تاريخ الكويت، إذ تراوح فيه الحضور ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألفاً، حيث عرض البراك بتكتيك بارع ما حصل عليه من معلومات وبيانات حول تحويلات رئيس الوزراء وديوانه بلغت 70 مليون دينار. جداول البيانات التي تناقلتها وسائل الاتصالات الاجتماعية أقل ما يقال فيها انها أثارت الشبهات، والكثيرون اعتبروها إدانة، مما زاد من مشاعر السخط والاستياء التي حركتها قضية الايداعات. ولم ينفع بيان وزير الخارجية بالنيابة في إطفاء لهيب تلك المشاعر أو تهدئتها، خصوصا انها جاءت من وزير لا يحظى بثقة المحتجين والساخطين. ثم، تبع ذلك صدور قرار من المحكمة الدستورية بشأن استجواب رئيس الوزراء المقدم من النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري، فازداد الجو اشتعالا بإثارة جدل قانوني ودستوري وسجال سياسي، فالعديد من القانونيين انتقدوا القرار واعتبروه غير ملزم، لأنه قرار ذو طبيعة تفسيرية وليس حكما ملزما، وينبغي عرضه على مجلس الأمة لابداء الرأي فيه، كما وجهت للقرار انتقادات بأنه قد يؤدي الى تحصين رئيس الوزراء من المساءلة والمحاسبة، وهو ما يتناقض مع مبادئ وأسس النظام الديموقراطي الذي يقوم على أساس جوهري، وهو مساءلة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، وبالدرجة الأولى رئيس الوزراء.


الجلسة الافتتاحية
ثم جاءت الجلسة الافتتاحية لمجلس الامة لتزيد الامر تعقيدا، فمن جهة أكد النظام وحكومته على الاصرار في المضي في النهج نفسه الذي سارت عليه الحكومة، وكأن شيئا لم يكن، متمسكاً بموقف لا أرى لا أسمع ولا أستوعب، وان استقالة شخصية من وزن الشيخ محمد الصباح، وهو الممثل لجناح أساسي في أسرة الصباح، تعتبر أمراً عاديا، فيما الاجماع انه ليس أمراً عادياً، خصوصاً انه جاء إثر كشف تحويلات رئيس الوزراء عبر وزارة الخارجية، وفُسّ.رت بأنها كانت تتم من وراء ظهره. اذن الحكومة سادرة وماضية في غيّها، فماذا عن النواب المحتجين؟ هؤلاء يملكون قضية رابحة في مواجهة الحكومة، ولكن يخشى ان أسلوبهم في التعامل مع قضية الايداعات والتحويلات قد تفلت ويفسح المجال للحكومة والموالين لها للفلفة القضية وطيّها بدلا من استخدام أسلحة المجلس وأدواته لاستثمارها في محاصرة الفساد والمفسدين، فنكون بذلك كمن ضيع صيده بعجاجه.


لجنة تحقيق
تمنيت الا تقاطع مجموعة النواب السبعة عشر جلسة المجلس والامتناع عن المشاركة في اللجان، اذ انه بدلا من ذلك كان يجب استخدام اللجان، كاللجنة المالية ولجنة الميزانيات، الى جانب تشكيل لجنة تحقيق، كمواقع يستفاد منها لمحاصرة أطراف الفساد وتعريتهم، والعمل على انتزاع أكبر كم من المعلومات والبيان عن الايداعات والتحويلات، كي يكون الرأي العام على بينة من هذه الشبهات. هذا الى جانب إقرار منظومة من قوانين محاربة الفساد كقانون كشف الذمة المالية وإنشاء هيئة مكافحة الفساد، وقانون الكسب غير المشروع واللائحة التنفيذية للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، التي انضمت اليها الكويت قبل ست سنوات.


ارتباك
حال النواب المحتجين الآن مرتبك، فهم مقاطعون وغير مقاطعين، فقد قاطعوا اللجان ثم دخلوا لاقرار كادر المعلمين، ثم بعد ذلك ما زالت خطة تقديم الاستجواب قائمة، فاذن هم غير مقاطعين، أو نصف مقاطعين. أتمنى أن يراجعوا موقفهم، وان يأخذوا بعين الاعتبار انعكاس تصرفاتهم على الرأي العام، وألا ينحصر اهتمامهم في التجمعات فقط التي على أهميتها قد تكون معزولة، مهما كان عددها، إن لم تكن معبّ.رة عن قطاعات واسعة من الشعب تقف مساندة ومؤيدة لها.
أؤكد، وأتمنى، وأرجو من السادة النواب المحتجين التفكير مليا، وبتؤدة، في استخدام كل ما يتاح من أدوات وأسلحة قانونية في مواجهة الفساد، وإني على يقين بأن كل ابناء الشعب الحريصين على مصلحة البلد سيقفون وراءهم.


شبهات
بالنسبة لكثير من الناس، ما أثير حتى الآن يقع في خانة الشبهات، والمطلوب الآن كشف باطن هذه الشبهات ومعرفة أطرافها. وأتمنى عليهم التوقف عن إطلاق المطالب والشعارات من فوق منابر التجمعات من دون أن تسبقها دراسة وتمعن وتشاور، وهذا ما حصل مع الأسف في الاجتماعات الجماهيرية، وأنا أقول ذلك عن علم وليس عن تخرص أو كلام منقول، وأرجو أن يراعوا عدم مفاجأة الناس بمطالب أو مواقف تملى عليهم من دون مشاركة في إقرارها أو التشاور بشأنها، فهذا إثارة أقل ما يقال عنها انها سلبية حتى لا أزيد.


الغضب الشعبي
والرد على القائلين إننا كيف نتوقع من مجلس فيه هذا العدد من المفسدين إقرار قوانين مكافحة الفساد وتشكيل لجنة للتحقيق، نقول إن ذلك ممكن بضغط الغضب الشعبي الذي يملأ مشاعر الكويتيين، وفي حالة قيام الحكومة، أو الموالين لها، بعرقلة هذه المساعي، فإن ذلك يفضح المعرقلين ويكشفهم، وفي ذلك مكسب. وأشير الى أن معظم، إن لم يكن كل، المكاسب التي تحققت من خلال المجلس جاءت من مجالس فيها حكومة وموالون وأعضاء فاسدون.
لم يحصل في مجالس الأمة أن كانت هناك اغلبية للمعارضة، وما تحقق من مكاسب كان دائما عبر أقلية في المجلس يساندها ضغط شعبي، وهذا سيستمر معنا الى آماد ربما تكون طويلة، المهم أن نحسن إدارة المعركة السياسية بحنكة وباستخدام ما يتوافر من أدوات، وأهمها الضغط الشعبي.