أقلامهم

محمد المقاطع: عبث بالدستور.. ومجلس هزيل

محمد عبدالمحسن المقاطع 
عبث بالدستور.. ومجلس هزيل
في نوفمبر المقبل يدخل الدستور الكويتي عامه الخمسين، وهو عمر زمني مديد بالقياس الى عمر الدولة منذ استقلالها، ويؤكد في الوقت نفسه كيف أن الدستور كان دائما وأبدا ملاذا ومرجعية تحفظ النظام الحاكم، وتعزز مكانة المشاركة الشعبية، وترسم قواسم توزيع الاختصاص بين السلطات الثلاث بلا تفريط أو افراط. 
واذا كان الدستور في تركيبته النظرية وبنائه القانوني وتطبيقاته الأساسية عكس الوضع المناسب لدولة الكويت العصرية، فان ذلك لا يعني أن محاولات العبث به وتنقيحه وتحوير معانيه وتغيير مفاهيمه قد توقفت، بل هي محاولات مستمرة، واذا كان التاريخ الكويتي يخبرنا بأن محاولات العبث بالدستور عن طريق التنقيح بتهيئة أغلبية تتمكن منها السلطة من تغييره والتراجع به عن المبادئ الجوهرية التي تضمنها قد فشلت تماما، كما فشلت محاولات عدة بتغيير النظام الانتخابي، وحل المجالس مرات متعاقبة، فإنه يبدو أن التوجه الجديد الذي تم تبنيه في السنوات الأربع الماضية، والذي تقوده حكومة فشلت هي ورئيسها في التعامل مع مجريات الأحداث السياسية، وفقا للأصول والمبادئ التي أرساها الدستور، هو ما دفعها إلى العبث بالدستور من خلال تخريب مجلس الأمة، عن طريق اغراقه في مستنقع عطايا المال السياسي لكسب أصوات أعضائه لمواجهة استخدام الأدوات السياسية والبرلمانية المختلفة، بل وطفح الى السطح تزويد مجاميع من الأعضاء بسيل من الخدمات التي تأخذ حقوق الناس بتنفيع لبعض الأعضاء ومنحهم مئات بل آلاف من حالات العلاج في الخارج والتوظيف والنقل العشوائي، الذي صار أداة بيد هؤلاء الأعضاء الفاسدين. 
لكن المصيبة الأعظم أن مصدر كل ذلك العبث واحد، يتمثل بالحكومة التي لم تعد تؤمن بالدستور الا اسما، ولا ترغب بمبادئه وأحكامه الا شكلا، ولا تؤمن بالمشاركة الشعبية، فسعت الى تخريب المجلس وعطلت جلساته، وعبثت بتشكيل لجانه، وعرقلت ادواته، وتمادت في الاستخدام السياسي بصور وأشكال متعددة، واستبيحت مالية الدولة في عهدها، وأثبتت أنها تهدف الى ضرب الديموقراطية والعبث بالدستور وتفريغه من مضمونه والتحايل على أحكامه، ونشط معها في ذلك المخربون من أعضاء المجلس ومن خارجه، وهو أمر لم يعد محتملا، ولا يجوز السكوت عنه أو التفرج عليه، فصار التحرك الشعبي بكل قواه السياسية ومؤسسات المجتمع المدني فرضا وواجبا على من لا يزال لديه غيرة على حفظ الوطن وحماية مكتسباته الدستورية والشعبية. 
ان مجلس الأمة الحالي المنتخب عام 2009 هو أسوأ مجلس مر على الكويت، ففيه تم بيع المقعد النيابي في سوق المال السياسي، كما تم فيه دخول المزادات العلنية في استخدام الأدوات السياسية والبرلمانية، كما ظهرت فيه ممارسات برلمانية عبثية أدت الى اجهاض مبادئ دستورية في طريقة عمل المجلس وادارة جلساته وأسلوب تصويتاته وطول مدد اجازاته وتعطيل انعقاد جلساته، وقد اتسع أسلوب خرق الدستور في تكوين لجان المجلس، التي هي اليوم في وضع غير سوي من الناحية الدستورية الذي لا تزال لجانه ناقصة في تكوينها، غير صحيحة باجراءاتها، ومخالفة للدستور في حال استمرارها، وهذا الوضع بجملته قد ورّث مجلسا هزيلا غاية ما يهدف اليه معظم أعضائه هو تحقيق مكاسب مالية أو مصالح آنية أو مآرب فئوية، فلم يعد هذا المجلس معبرا عن ارادة الأمة، ولا ممثلا لشرعية هذه الارادة، فصارت العودة الى الأمة في انتخابات عاجلة هي المخرج الدستوري الذي لا بد من أن تصير اليه الحال، قبل أن تصبح تداعيات الوضع أسوأ من أن يتم التحكم بها والسيطرة عليها، فكل شواهد التاريخ تقول إن بداية التذمر الشعبي الواسع تكون في لحظة العبث بالدستور وتجاهل ارادة الأمة، وينبغي أن يلازم الانتخابات الجديدة عنوان هو اصلاح شامل من دون وجود رئيس وزراء تلازم اسمه مع مرحلة استشراء الفساد، وهي مرحلة تستلزم أن يكون التوجه اليها سريعا، فحالة الاحباط والتبرم أصبحت تيارا جارفا في المجتمع ليس من المصلحة اغفاله أو التقليل من شأنه.
اللهم اني بلّغت،،