أقلامهم

الاختلافات السبعة بين اليابانيين والعرب حسب رواية أحمد الصراف

أحمد الصراف 
تجربتي اليابانية
قضيت جزءا من الصيف الماضي مع أصدقاء يابانيين، وكانت تجربة جدا غريبة، فهذا الشعب الذي سبق أن اختار العزلة عن العالم لقرون طويلة، قبل ان ينفتح مع بداية القرن الماضي، يعتمد كليا على نفسه، بخلاف شعوب دولنا النفطية تماما، فاليابان لا تمتلك أي موارد، فلا فحم ولا نفط ولا حديد ولا خامات مهمة، وأرضها عبارة عن 3000 جزيرة متباعدة، وسبق ان دمرت أجزاء كبيرة منها في الحرب الثانية، كما ضربتها، ولا تزال، مئات الزلازل المدمرة، ومع هذا ما زالت اليابان الثانية عالميا في قوتها الاقتصادية بعد أميركا، ولا يوجد بها أمي واحد، ففيها الإنسان هو أساس الثروة! ولو وضعنا جانبا تاريخ اليابان الاستعماري المشين، والذي استطاعت التخلص من آثاره وآثامه تماما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فإننا نجد شعبا جديرا حقا بالاحترام. فبالرغم من أنهم لم يشتهروا بتدينهم، بشكل عام، فلا علاقة مثلا للدين بأهم طقوسهم وهي الزواج، مقارنة بالأميركيين الأكثر تدينا في العالم الغربي، إلا أن تصرفاتهم الراقية وأمانتهم أمر لا يمكن مقارنته بأي شعب آخر… تقريبا! فأثناء الزلزال والتسونامي الذي ضرب أجزاء من اليابان، واجبر مئات الآلاف على ترك كل شيء وراءهم، شاهد العالم على شاشات التلفزيون ما ابهره، فلا حالات سلب ونهب للمتاجر والبيوت، بعكس ما حصل في مدن غربية عدة، وبالذات في مدن أميركا الكبرى، وعاصمة التدين في العالم الغربي، دع عنك عالمنا بالطبع! وقد حدث ذلك التصرف بتلقائية ونتيجة لطريقة تربية محددة، وليس خوفا من عقاب سماوي.
وقد تعلمت من أصدقائي اليابانيين جهلهم «بفن» الكذب، وخاصة الذي نسميه الأبيض. كما أن الياباني لا يعرف القسم أو الحلف بأغلظ الأيمان وخاصة لإقناع الآخر بصحة ما يقول. وحتى في المحكمة فإن المتهم أو الشهود لا يطلب منهم غير قول: «أقسم بأن أقول الحقيقة، وأن اتبع ضميري، دون خداع أو كذب»! ولا شيء غير ذلك، فلا كتاب مقدسا يضع يده عليه وينطق بالقسم ولا أي شيء من هذا القبيل. ولفت أصدقائي نظري إلى حقيقة ان اللغة اليابانية تفتقد مفردات الشتم والسب، المنتشرة في لغات المجتمعات الأخرى. وعندما يغضب الياباني فإن ما يتلفظ به عادة يعتبر «غشمرة» مقارنة بشتائمنا. ويعود سبب هذا لأدبهم الجم الناتج عن تربية مدرسية ومنزلية صارمة تحث الطفل على التزام الصمت والاستماع إلى من هو أكبر منه، وقد أثر ذلك سلبا على شخصية الياباني بشكل عام، فالقيادات السياسية والإدارية لا تمتلك، كما في الغرب، ملكة مواجهة الآخرين والنظر بأعينهم وإلقاء الخطب الرنانة، فالأدب أو الخجل يمنعهم من ذلك. ولو نظرنا لنسبة تواجد اليابانيين في المناصب الدولية المهمة لوجدنا أن عددهم لا يتناسب مع حجمهم الاقتصادي ومساهماتهم الدولية!
ونختم ذلك بان نقول ان بإمكان أولئك الذين أدمنوا على الدعاء على الآخرين باليتم والتشرد والموت، الاستمرار في ذلك، فلا مجال لإقناعهم بعدم سلامة ذلك، ولكن أليس بإمكان هؤلاء تعلم ولو بعض الشيء من هدوء هؤلاء واحترامهم وصبرهم وأدبهم وعفة يدهم ولسانهم، وقول الصدق؟ لست أدري!