أقلامهم

أحمد الديين يصف حال الديمقراطية الاستثنائية في الكويت

أحمد الديين
مفارقة الغالبية العاجزة
الغالبية النيابية في أي نظام برلماني ديمقراطي هي غالبية عدد النواب المنتخبين ديمقراطيا من الشعب التي تتشكّل منها الحكومة وتحظى بثقتها ودعمها، فيما الأقلية النيابية تمثّل كتلة أو كتل نواب المعارضة… وتسقط الحكومات في البلدان ذات النظم البرلمانية الديمقراطية عندما تفقد غالبيتها النيابية، ولكن في الكويت الأمر مختلف تماما في ظل “دستور الحدّ الأدنى” وفي ظل النهج السلطوي المهيمن، ناهيك عن واقع الإفساد الذي تعرّض له مجلس الأمة، بحيث أصبح ملحقا بالحكومة وفَقَدَ القدرة على ممارسة سلطته الدستورية المقيّدة والمحدودة!
المفارقة في الكويت أنّ هناك الآن اصطفافا سياسيا واسعا يدعو إلى رحيل مستحق وعاجل للحكومة الحالية ورئيسها؛ وهو اصطفاف يشمل من بين مَنْ يشمل أطرافا تقليدية محافظة مقرّبة من السلطة مثل تلك المجموعة المسماة “مجموعة الـ 26” بعد إصدارها بيانها الأخير الداعي إلى رحيل المجلس والحكومة معا… ولدينا قبل هذا حراك سياسي وشعبي وشبابي يدفع بقوة نحو هذا الاتجاه، بل لدينا في الكويت، وهنا المفارقة الغريبة العجيبة، غالبية نيابية تضم نحو 26 نائبا يمثلون ما نسبته 52 في المئة من إجمالي عدد النواب المنتخبين في مجلس الأمة أعلنوا مواقف واضحة في اتجاه رحيل الحكومة ورئيسها، أي لقد أصبحت الحكومة ورئيسها من دون غطاء نيابي تمثّله الغالبية من أعضاء مجلس الأمة، ناهيك عن الاصطفاف المعارض خارج المجلس، ومع ذلك كله فإنّ الحكومة ورئيسها مستمران في مواقع السلطة والقرار ويتصرفان وكأنّ شيئا لم يكن!
المفارقة الأخرى أنّ النواب الموالين والممولين حكوميا يقلّ عددهم عن نصف عدد أعضاء مجلس الأمة، بحيث لم يعودوا يشكلون عدديا الغالبية النيابية، ومع ذلك كله فإنّهم يصفون أنفسهم بالغالبية النيابية ويتصرفون كذلك… وفي واقع الحال فإنّ هذه “الغالبية النيابية الموالية الممولة حكوميا” التي هي أقلية عددية هي مَنْ يقرر مسار أي قانون يمكن أن يقرّه مجلس الأمة أو يرفضه أو يجري تعديلا عليه، وهي التي تقرر موعد مناقشة أي استجواب أو تأجيله إلى آماد زمنية بعيدة، وهي التي تستطيع أن تحيل أي استجواب نيابي إلى “لجنة الشؤون التشريعية والقانونية” في المجلس لتقرر رأيها المتوافق مع الحكومة حول مدى انطباق الشروط الدستورية عليه، خصوصا في حال الاستجوابات التي جرى توجيهها إلى رئيس مجلس الوزراء أو تلك التي سيتم توجيهها إليه، وتحديدا استجواب فضيحة الإفساد السلطوي للنواب المسماة فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لعدد من النواب!
السر في هذه المفارقة الغريبة للغالبية النيابية الحقيقية العاجزة والأقلية النيابية الموالية الممولة التي تتحكم في قرارات مجلس الأمة يكمن في العيب البنيوي الخطير والمنافي للمبادئ والأسس الديمقراطية في “دستور الحدّ الأدنى”، دستور 1962 الذي منح الوزراء من غير النواب المنتخبين شعبيا عضوية مجلس الأمة بحكم وظائفهم، بينما كان الأصل في مشروع الدستور قبل تعديله وإقراره، هو عدم منحهم العضوية وعدم مشاركتهم في التصويت مع حقّهم في حضور جلسات مجلس الأمة والمشاركة في الحديث… وبذلك أصبح يكفي أن تضمن الحكومة أصوات 17 نائبا مواليا لها أو ممولا منها لتمتلك الغالبية داخل المجلس، حتى وإن صوّتت الغالبية الساحقة من النواب المنتخبين ضدها، بل حتى إذا بلغ عدد نواب المعارضة 31 نائبا وليس 26 نائبا فقط مثلما هو عددهم الآن!
باختصار، لدينا وضع دستوري غير ديمقراطي يجعل الغالبية النيابية المنتخبة غير المرتبطة بالحكومة عاجزة عن الفعل، فيما الحكومة المدعومة من الأقلية النيابية الموالية لها والممولة منها هي التي تمتلك أدوات “اللعبة البرلمانية الشكلية” والممسكة بخيوطها… ويضاف إلى ما سبق نهج سلطوي مهمين وإفساد متعمّد للمؤسسة النيابية، ما يعني باختصار أنّ هناك انسدادا في المسار البرلماني يمثّل عائقا أمام ليس فقط أمام مساءلة رئيس مجلس الوزراء المحصّن، حتى وإن فَقَدَ الغالبية النيابية، وإنما هو انسداد يشكّل عائقا جدّيّا أمام التطور الديمقراطي للكويت ما دامت موازين القوى مختلة؛ مثلما هي عليه الآن لغير صالح الاتجاه الديمقراطي!