سبر

رأي ((سبر))
الحل سياسي.. لا أمني

من يعتقد أن الحلول الأمنية ستعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، حسب رؤية السلطة، فهو لا يقرأ التاريخ جيداً. الحلول الأمنية التي استخدمت في 8-12-2010، أثناء أحداث ديوان الحربش وسلسلة الندوات التي كانت ترفض طريقة تعامل الحكومة مع طلب رفع الحصانة عن النائب د. فيصل المسلم في قضية الشيكات، لم تأت إلا بنتيجة عكسية وسلبية للحكومة ورئيسها، فبعد أن كان الهدف المطلوب فرض تطبيق قانون التجمعات حسب التفسير المنفرد للسلطة التنفيذية ومنع أي تجمعات خارج مقر الندوة أو الاجتماع، فرضت الأحداث المتتالية بعد ضرب القوات الأمنية للنواب والمواطنين أن تقبل السلطة بتجمع الآلاف في أكبر ميادين العاصمة بعد أن كانت تحاول تطبيق القانون على ما لا يزيد عن ثلاثين شخصاً خارج ديوان النائب د. جمعان الحربش في منطقة الصليبيخات. لذلك فالحلول الأمنية لا تساعد في حل الأزمات بل تفاقمها والأزمة التي تواجهها الكويت اليوم أزمة سياسية لا تحل أمنياً بل سياسياً.
القفز على الحقائق ومحاولة إظهار ما حدث في ساحة الإرادة وتصادم الأجهزة الأمنية مع المواطنين والاعتداء عليهم وزحف الجمهور على مبنى مجلس الأمة واقتحامه بأنه محاولة لإسقاط النظام من قبل أطراف داخلية أو خارجية، كما تروج لذلك بعض وسائل الإعلام الفاسد وأدواته، لن يساعد في فهم الأسباب الحقيقية التي دفعت الشباب الغاضب إلى قبول خيار التصادم مع القوات الأمنية إذا ما فرضت الظروف وطريقة تعامل وزارة الداخلية عليهم ذلك، ولن يساعد في معرفة الدوافع الحقيقية وراء تجاوز مستوى الخطاب الموجه في القضية مستوى رئيس مجلس الوزراء وتعديه إلى أن وصل إلى مرحلة الخطاب المباشر لذرية مبارك وتذكيرهم بأن شرعيتهم من شرعية الدستور وأن أي تجاوز على هذه الشرعية لا يمكن قبوله. هذه الأسباب التي يجب أن يتصدى الحكماء والعقلاء “الحقيقيين” لمعرفتها والبحث في موجداتها والعمل على الخروج من هذه الأزمة السياسية الخطيرة بحل “سياسي” يغلق مرحلة عانت الكويت وشعبها منها وفيها الكثير.
الاستمرار في الاستهتار بالرأي العام من خلال الاستحواذ على إرادة مجلس الأمة بطرق غير شرعية، وتوفير الحماية القانونية والإعلامية للنواب المرتشين، وتقييد مجلس الأمة عن استخدام أدواته الرقابية، والتهجم على المعارضة شباباً ونواباً، والتضييق على وسائل الإعلام غير المنضوية تحت لواء فريق الرئيس.. كل هذا لن تجني منه الكويت إلا المزيد من التدهور السياسي والأمني الذي قد تصل معه البلاد إلى حالة من الفوضى التي يتوقع لها المراقبون أن تترك ندوباً لا تمحى في جبين الكويت، خصوصاً مع تزايد اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية بالوضع السياسي المتفجر في الكويت.
الكويت بالتأكيد أهم من الجميع بمن فيهم سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وحكومته وأغلبيته النيابية المشتراة، والحل يبدأ من الالتزام الحقيقي بالدستور وبالأخص مادته السادسة التي تنص على أن الأمة هي مصدر السلطات جميعاً، وأول مظاهر هذا الالتزام الحقيقي هو القبول برقابة الأمة من خلال نوابها والتعامل مع الاستجوابات المقدمة من النواب كما حدد الدستور من خلال صعود المنصة والدفاع عن موقف الرئيس والحكومة.