كتاب سبر

دستورنا.. أرواحنا

عندما تسلب من شخص أي عضو من جسده فمن الممكن أن يستمر بالحياة ويعيش، ولكن عندما تسلب منه روحه التي يعيش ويحيا بها فماذا يبقى؟ فهو الدستور… الذي هو بنيان أساس الوطن، وهو قانون الدولة الأساسي، الذي يحدد أسس نظام المجتمع والدولة وتنظيم هيئاتها وتشكيلها ونشاطها، وحقوق المواطنين.
منذ إصدار هذا الدستور الثمين والغالي، دستور 62 الأكثر اتزاناً وانتظاماً بين دساتير العالم، فالدستور أعطى أريحية تامة من كل مقومات المجتمع منها والأهم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة منحة تاريخية تعيش من جيل إلى جيل وبكل فخر واعتزاز، فهنيئاً لنا بهذا الدستور العظيم، فالدستور الكويتي أعطى وتميز بأن «الكويت إمارة وراثية يحكمها أمير من ذرية الشيخ مبارك الكبير» طيب الله ثراه وكانت بصمة هذا الدستور ببصمة الشيخ عبدالله السالم رحمة الله عليه حين وضع بصمته في إبراز كتاب الكويتيين وكتاب قانون الحياة لهم، فأتت مباركة الشعب الكويتي وفرحته وحبه لهذا الدستور ولهذه الأسرة التي ورثت حبها في قلوب الشعب الوفي، وهو لحبهم للدستور وحفاظهم عليه دائماً يحرصون بأن يبقى الدستور مصوناً عندهم، فالذي يميز هذا الدستور بأن المصدر الرئيسي للتشريع هو «الشريعة الإسلامية»، وعن قول الله جل علاه {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} – {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}، فهاتان الآيتان تبينان بأننا نتعبد لله سبحانه وتعالى كأفراد في معاملاتنا مع الناس وفي عهودنا، وإذا كان الأصل هو الوفاء بالعقود والعهود، والذي ينكث بعهده ووعده إنما هو من المنافقين، فإن هذا الأصل ليس مطلقا مُحَصنا سرمديا، فالأصل هو أن الأصل في المعاملات لابد وأن يرد عليه الاستثناء والاستثناء هو قرين الأصل يسير معه كظله وإلا لكان الدين صلبا جامدا جافا لا يصلح إلا لزمن واحد وجيل واحد.
أما الأصل السرمدي في الشريعة الذي ليس له استثناء فهو أن الشريعة الإسلامية هي شريعة السعة والمرونة وليست شريعة التضييق والحجر، فالشريعة متصلة من الإسلام فهي سلسلة متَّصلة من التعاليم والأحكام في غاية الدقَّة والانضباط، لا تنفكُّ عن النظام الَّذي يسيِّر هذا الكون، لذلك كانت فروضه انعكاساً حقيقياً لهذا النظام. وفي ذلك كلِّه تعليم للناس أن موازين الأمور سواء منها الدِّينية أو الدنيوية، لا تستقيم إلا بالنظام والانضباط، فالذي جعلنا ولله الحمد دولة حريصة صاحبة نظام وشريعة إسلامية لأنها تقوى وتنمو فيه كل فئات المجتمع ولافرق بين مذهب وآخر واحترام الأديان واجب على كل الشعوب ، كما ذكرنا بوجود مواد منحة للشعب فهذا الدستور جعل لنا حقوقا عدة ومميزة تكفلت بمنح حق الحرية لكل إنسان ومنحته المساواة وعززته بالمجتمع ، فالمادة (7) من الدستور : «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع – والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين»، مما جعل تعزيز العلاقات بين أفراد المجتمع وتغلغلها وترسيخها وتلاحم أبناء الشعب وتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجل الوطن، وايضاً من الحقوق الأخرى التي كانت منحة من الدستور لأبناء الوطن «الناس سواسية بالكرامة الانسانية وهم متساوون لدى القانون بالحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم»، فذلك يجعلنا نفخر بهذا الدستور ونصوصه ونعتز به ونحافظ عليه ونحميه من كل المخاطر، فهناك العديد من الشعوب لا تنعم ببعض مواد هذا الدستور التي كفلت حرية التعبير والرأي ففي المادة ( 36 ) من الدستور « لكل إنسان حرية الرأي وحق التعبير عن رأيه أو نشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقا للشروط التي يبينها القانون «، فهذا القانون حرص على الرأي والرأي الآخر في بناء المجتمع للتطور والتقدم من أجل تفاهم وتعاون جميع السلطات للمصلحة العامة للوطن ، فحرص الدستور على عنصر مهم للكل وبالأخص لأبناء وأجيال المستقبل الذين ينتظرون منا الكثير.
فالمادة ( 17 ) «للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن »، فلذلك لا نريد أن تضيع وتذهب أموال الشعب هباء ودون جدوى فحينها نأسف على هذه الأموال العامة عندما لا تستغل في الدور الصحيح في التطور والتقدم والنمو لصالح الشعب والوطن وأجيال المستقبل ، لينعموا بها والتي هي من حقهم وحق الشعب ككل والوطن الأم ، ففي نقطة لمزيد من الحق ومن التعاون والتفاهم فألتفت الدستور لأعضاء مجلس الأمة في حق الرقابة البرلمانية مما يتيح لهم المساءلة الدستورية فالمادة ( 100 ) «الحق لكل عضو في مجلس الأمة بأن يوجه استجواباً لرئيس الوزراء والوزراء للأمور الداخلة في اختصاصهم»، هنا تأكيد على تعاون السلطتين فهذه الديموقراطية والأريحية التامة والشفافية المهمة تجعلنا نلتمس من الدستور بأنه بنى روح التعاون بين السلطتين على محاسبة ورقابة مستمرة مستحقة لباب العدل والمساواة وعدم التجاوز والخروج عن نصوص الدستور، وذلك سعياً نحو مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية للتقدم والرقي.
 
فالخلاف والاعتراض في بعض الأحيان ليس هو تصفية حسابات بين الأشخاص أو بين السلطة التشريعية والتنفيذية واكتساب الشعبية ووضع البصمات وادعاء البطولية والنجومية، ولكن هو أمر طبيعي ففطرة الحياة في الاختلاف في الرأي والرأي الآخر ومراقبة المخطئ ومحاسبته وتعويله بخطئه وتعديله. ففي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك يقول (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم) وهذا الدستور الذي عاشت وتعلمت به أجيال وتنتظره أجيال أخرى. فبعد الخطر عنه وعن مواده يكون ذلك ولاء له فهو الحصن الحصين لكل الكويتيين، فالالتفاف حول الدستور وحول مواده هو تكريس آمال الكويتيين. فمميزاته تغني عن فهمه ليجعل الكل يعتز به من دستور غال وثمين ، فهو كتاب كل كويتي وكل من يعيش على هذه الأرض منذ سنوات ، لا نريد غير الحقوق المشروعة والمكتسبة والمميزات التي كفلها الدستور ولا نريد إضافة عليها ، فإن ذهبت .. ذهبت أرواحنا معها!
نعم نعلم بأن الدستور غير مقدس ولكن هو المسار الذي يقود السفينة إلى بر الأمان هو جهاز الاتصال بين الكويتيين بعضهم البعض، هو الإرشاد والتوجيه المعنوي لكل الكويتيين، حينها لا يبقى سوى أن نعزي أنفسنا إذا فقدنا قوته وفعاليته ، بأنه مصير النهاية فعلاً نهاية أجيال قادمة لا تنعم بما نعم به من قبلهم بفعالية وقوة وتوجيه هذا الدستور إلى الطريق الصحيح الخالي من الأشواك والأوهام. فيا عجبي وندبي اذا مس هذا الكتاب، كتاب الأجيال، فها نحن نقف صفاً واحداً وقلباً واحداً وفي بلد واحد منذ نشأة هذا الدستور هل ياترى نقف بالغد نفس الأمس في حال التعدي أو المساس بالدستور؟ ففي وجود دستورنا ولله الحمد في حلته الحالية يحمينا من مخاطر عدة، فلنتجنب وندرأ هذه المخاطر ونفوت الفرصة على من يريد العبث وإشعال الفتنة وتفتيت المجتمع الكويتي، فهذا البلد الذي يحسده كثير من البلدان على دستوره وديموقراطيته التي ينعم بها منذ تأسيسه ولغاية الآن، فلنحافظ على هذا الكنز الثمين الذي لايوجد له مثيل بالمستقبل القريب أبداً.
عن قوله تعالى {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }. 
وأقول كلمتي بالنهاية وهي نابعة من الدستور: 
«أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن وللأمير وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة».
بقلم: فهد الرفاعي
الجامعة العربية – الكويت
<alrifai99@hotmail.com>
@BomsaalQ8