أقلامهم

عبداللطيف الدعيج: القول بأن الدستور هو عهد بين الحاكم والمحكوم يعكس النظرة المتخلفة التي ينظر بها المعادون للديموقراطية وللمباديء الدستورية

«.. بناء على ما قرره المجلس التأسيسي»
عبداللطيف الدعيج 
 
عندما كتب إمام القيظ الكويتي النائب وليد الطبطبائي قبل ايام انه «وضع جيل الآباء دستور البلاد قبل 49 عاماً، باعتباره وثيقة تنظم العلاقة بين اسرة آل الصباح الكريمة وبين الشعب الكويتي»، عندما كتب النائب الطبطبائي هذا اثار «استيائي»، لكني لم اكن معنيا بالرد عليه. فبالنسبة لي لم يقل النائب الطبطبائي أو امثاله من قادة القيظ الكويتي ما يستحق التوقف عنده، لكن يوم امس كتبت الزميلة ابتهال الخطيب ان الزميل ايضا غانم النجار اوضح ان «الدستور هو عقد بين الحاكم والمحكوم».
هنا اعتقد اني مجبر على ان ابدي رأيي في هذه المسألة، خصوصا ان الدستور اصبح محور العلاقة بين كل الاطراف هذه الايام. في ديباجة الدستور الكويتي حرص الامير المؤسس الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، على ان يحدد الطرف المسؤول والراعي الاساسي لدستور الكويت، حيث ختم ديباجة الدستور بـ«بناء على ما قرره المجلس التأسيسي، صدقنا على هذا الدستور واصدرناه». بناء على ما قرره المجلس التأسيسي الممثل الشرعي لكل الكويتيين في ذلك الوقت، صدر دستور دولة الكويت، ليس انصياعا لتعاليم اسرة آل الصباح الكريمة، كما ذكر امام الربيع، وليس وفقا لارادة «المحكومين»، كما قرر الزميلان العزيزان.
لست بأكاديمية وعلم الدكتور النجار أو الدكتورة الخطيب، لكن اعتقد ان جميع دساتير العالم الحر هي تعاقد بين الناس، الطوائف والطبقات، الاقليات والاغلبية، وليس بين حاكم ومحكوم. خصوصا الدستور الأميركي الذي نشأ بين الشعب، وانبثق في وقت لم يكن فيه هناك حكام بعد التحرر من الاستعمار الانكليزي.
في واقع الامر عند النظر في الدستور الكويتي، فان احدا من عائلة الصباح ــ غير عبدالله السالم ــ لم يوقع عليه عند صدوره، اي لم يكن على الاطلاق عهدا بين الاسرة والناس، وبالتأكيد ليس عقدا بين الحاكم والمحكوم، وذلك لان احدا من اعضاء الحكومة من الشيوخ لم يوقع عليه، ليس صدفة وليس خطأ أو نسيانا، ولكن الوزراء الشيوخ «اختاروا» عدم التوقيع على دستور 1962. طبعا تم تبرير ذلك، وهو قد يكون صحيحا، ان الاسرة الحاكمة لا تريد ان يقال انه تم فرض الدستور على الناس.
الملاحظ ايضا ان جماعة إمام الربيع الكويتي النائب وليد الطبطبائي لم يوقعوا أو يشاركوا ايضا في اصدار الدستور الكويتي، لان الجماعات الدينية والقبلية قاطعت الانتخابات في ذلك الوقت، اي انها لم تكن ممثلة في المجلس التأسيسي، لهذا دستورنا هو عقد بين الكويتيين وحدهم.. لم تشارك لا «النار ولا الرمضاء» في اصداره.. وربما هنا تكمن مشاكلنا.
ان القول بان الدستور هو عهد بين الحاكم والمحكوم يعكس النظرة المتخلفة التي ينظر بها المعادون للديموقراطية وللمبادئ الدستورية الى نظام الحكم، فما يقدر ويحترم عندهم هو ما يخص العلاقة بين السلطات أو في الواقع بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، اي الحاكم والمحكوم، اما التزامات الناس والعهود بين الاغلبية والاكثرية، اي مقومات المجتمع أو الحقوق والواجبات العامة، مثل الحرية الشخصية وحرية التعبير والمساواة والعدل بين الناس، واحترام الرأي الآخر وحقوق الاقليات.. فهذه ما لم يتعاهد عليها النائب الطبطبائي وبقية اقطاب «نهج» أو ممن اقتحموا المجلس من على شاكلة فهد الخنة، وحتى احمد السعدون. فهذه تخضع لتقاليدهم وتحكمها ثوابتهم، بل هي ليست قابلة للتعاقد أو التعاهد، حيث انها سنن وفرائض واجبة من رب العالمين.