أقلامهم

حسن جوهر: أحداث الأربعاء خطفت ملف المعارضة ووضعته على الرف وأخشى أن تختفي منه أوراق الفساد والرشوة والإيداعات

حسافة.. يا معارضة


د.حسن عبدالله جوهر


أحداث الأربعاء الماضي واقتحام قاعة “عبدالله السالم” بمجلس الأمة أصابت المعارضة بنكسة سياسية وشعبية كبيرة، ولابد من مناقشة هذا الأمر بموضوعية صريحة إلى أبعد الحدود.
ومهما كانت التبريرات والأسباب ونتائج الحالة السياسية المريضة التي نعيشها على مدى السنوات الثلاث الماضية تحديداً فإن تبعات اقتحام البرلمان كانت عكسية تماماً، وأضرت بالحملة السياسية الإعلامية الشعبية التي بلغت ذروتها، واحتوت الكثير من الفوارق النفسية والثقافية والمناطقية والمذهبية، وكانت جلسة الثلاثاء الأخيرة انتصاراً حقيقياً في كشف عجز الحكومة عن مواجهة الاستجوابات المستقبلية، وعكست نتائج التصويت سقوط الحكومة سياسياً وبرلمانيا وشعبياً من الناحية النظرية، وعبر حسابات رقمية لا تقبل الجدل والنقاش عندما صار الرهان على قضية الإيداعات المليونية والفساد حتى على السلطة التشريعية ذاتها.
ومثل هذه النتيجة لم تكن لتحقق إلا بعد جهود كبيرة من التنسيق النيابي والالتفاف حول إحدى أهم القضايا الوطنية وأخطرها، ولملمة الأطياف والقوى والمجاميع الشعبية المختلفة على قضية كويتية صرفة ومادة مستحقة ونجاح مؤكد لها، ولكن الحركة الأخيرة تكاد تكون قد أجهضت الحمل المرتقب وأعادت الجميع إلى المربع الأول حيث قضية “ديوان الحربش” أو حتى أبعد من ذلك.
يجب أن يدرك ويعي بعض قوى المعارضة أنهم قد صنفوا في إطار شخصانية الخلاف مع رئيس مجلس الوزراء، واتهموا باللجوء إلى التصعيد المتواصل أو التأزيم المستمر، في مقابل أن هناك مجتمعاً كويتياً لا يزال متمسكاً بالأساليب السلمية، وأن الثقافة الكويتية محبة جداً لمبدأ أن المحافظة على الدستور والقيم الديمقراطية يجب أن تحسب ألف حساب للاستقرار الأمني والحفاظ على الممتلكات العامة، وأن بيت الأمة هو ملك الجميع وبدرجة متساوية ومتوازنة، وعلينا جميعاً أن نفهم، رضينا أم أبينا، أن هناك حالة من الاستياء والحزن والقلق واسعة النطاق وبشكل فوري وتلقائي لما حدث في قاعة الجلسات.
وبالمقابل هناك آلة إعلامية منظمة ورهيبة تكفي لتغطية بلد يكبر الكويت بعشر مرات، وهناك اصطفافات طبقية وطائفية وقبلية، تغذى وتعبَّأ على مدار الساعات بل الثواني المعدودة، ساهمت في خلق رأي عام مشتت وممزق، فما بالك بقضية تلقفتها هذه الماكينة وقد هزت مشاعر شرائح واسعة من الشعب الكويتي، وباعتراف عدد من نواب المعارضة العشرين أنفسهم، بل وصلت الحال إلى أن يضيف سمو الأمير استياءه ورفضه لاقتحام المجلس وبعبارات صريحة جداً، الأمر الذي يعطي القضية بعداً سياسياً مهماً؟!
ولهذا، فإن قضية الأربعاء لم تخلط الأوراق، في رأيي حسب ما كنت أتوقع بعد الحدث مباشرة، ولكنها قد تكون خطفت ملف المعارضة ووضعته على الرف، لفترة زمنية لا أعرف مداها، وأخشى أن تختفي منه أوراق الفساد والرشوة والإيداعات المليونية عندما توجه الأنظار وينشغل الناس والأجهزة القانونية والرسمية ووسائل الإعلام بالملاحقات والتحقيقات ضد نواب المعارضة، وفتح الباب في هذا المسار هو التصريح الغريب والمضحك بأن قاعة “عبدالله السالم” ستغلق لحين الانتهاء من التحقيقات، ولا نستغرب أن تقفل حتى صدور أحكام التمييز في هذه القضية!