أقلامهم

مقال ساخن
الجاسم: ليس من العدل أن يفتح الباب للمحمد بمحاكمة الناس دون السماح لهم بمقاضاته.. ألسنا في بلد القانون؟

محمد عبد القادر الجاسم
تقليل الخسارة
هناك أمور يجب الانتباه إليها ونحن وسط هذه الأزمة السياسية المتصاعدة.
أولا، بدأت أخبار الكويت والحركة الاحتجاجية فيها تحتل الصدارة في نشرات الأخبار العالمية وتحظى بتغطية ومتابعة من كبرى الصحف العالمية.
ثانيا، تبنت السلطة الخيار الأمني، وسعت إلى استغلال واقعة دخول نواب وشباب مبنى مجلس الأمة، وتم تسريب أخبار حول نية قوات الأمن التعامل بشدة مع أنصار الحركة الاحتجاجية.. كما تم تسريب أقوال نسبت، على خلاف الحقيقة، إلى صاحب السمو أمير البلاد بشأن نية سموه عدم قبول استقالة ناصر المحمد لو تقدم بها.. وتم تجنيد الإعلام الفاسد ومورس التحريض والكذب والتضليل والتهديد.. ومع هذا كله احتشد الجمهور بكثافة في ساحة الإرادة.. الناس لم تخف من التهديد باستعمال القوة.. بل جاء الشباب ومن عيونهم تشع روح التحدي. ويبدو أن الولايات المتحدة “قمعت” حكومتنا وحذرتها من مغبة استخدام العنف مع الحركة الاحتجاجية.. أي أن “الخيار الأمني” سقط من يد السلطة بسبب روح التحدي التي تتصاعد بشكل غير مسبوق لدى الشباب، وبسبب الموقف الأمريكي.
ثالثا، فشلت السلطة في استصدار بيان مشترك من شيوخ القبائل، ولم تنفع “الإغراءات” التي عرضت، وهذا مؤشر مهم جدا على مقدار عزلة السلطة. ولا يغير من هذه الحقيقة صدور بيانات ليست ذات قيمة من بعض وجهاء القبائل.
رابعا، جاء بيان غرفة التجارة والصناعة الأخير بمثابة ضربة قاصمة للحكومة على الرغم من “حميمية” العلاقة السياسية بين تجار الغرفة والسلطة، إلا أن الواقع يفرض نفسه فجاء بيان الغرفة ليشكل “صك إدانة” للحكومة من حليف تقليدي.
خامسا، رفضت مجموعة ألــ (26) إصدار بيان ورد إليها جاهزا يتضمن مساندة ودعم للحكومة، وأصدرت عوضا عن ذلك بيانها الذي تطالب فيه بمعالجة جذرية وحل مجلس الأمة وتغيير الحكومة ونهجها.
سادسا، بدأ الشباب تنظيم صفوفهم استعداد للمبيت في ساحة الإرادة يومي 27 و28 نوفمبر من أجل التعبير عن رفضهم إسقاط استجواب “الإيداعات والتحويلات” أو تأجيله أو حتى مناقشته في جلسة سرية.
سابعا، أسقط شباب الكويت محاولات السلطة دق الأسافين في العلاقة بين شباب المناطق الخارجية وشباب المناطق الداخلية، فتوحد الشباب في ساحة الإرادة يوم أمس على نحو غير مسبوق.
بعد هذا كله، أليس من حقنا أن نطالب برحيل ناصر المحمد وحل المجلس الحالي حرصا على الاستقرار في البلاد؟
إن العقل والمنطق يقودان إلى قرار حكيم، وغيرهما يقود البلاد إلى الفوضى والخراب. وكم أتمنى لو يدرك الشيوخ أن ناصر المحمد، بإصراره على البقاء في منصبه وبسياساته الحالية، يغامر بسمعة ومكانة ذرية مبارك الصباح.. لقد اختار الشعب الكويتي التحدي، وإرادة الشعوب لا تقهر أبدا، وليس أمامكم الآن سوى “تقليل خسائركم”.. فالشعب لم يعد يكتفي برحيل الرئيس، بل يريد محاكمته هو وأعوانه، وكلما تأخر القرار كلما ارتفع سقف المطالب!
إن ناصر المحمد لم يعد قادرا على حمايتكم وامتصاص الصدمات.. لقد استُهلك تماما وانتهى دوره وآن أوان تغييره.. 
أما عن فكرة محاكمة ناصر المحمد، فقد لفت نظري في الحوار الذي دار بين صاحب السمو ورؤساء التحرير، تركيز سموه على تطبيق القانون بحق النواب والشباب الذين دخلوا مبنى مجلس الأمة يوم الأربعاء الماضي. وقد سبق لرئيس مجلس الوزراء أن قال أكثر من مرة أنه يريد تطبيق القانون، وأنه حين يقاضي خصومه فذلك بسبب إيمانه بالقانون. وقبل فترة ظهرت مطالبات بمحاكمة رئيس مجلس الوزراء جنائيا، كما تمت الإشارة إلى إمكانية محاكمته في صحيفة استجواب “الإيداعات والتحويلات”، وقد تكررت هذه المطالبات البارحة.
وبالطبع، ومن الناحية الدستورية والقانونية، فإن رئيس مجلس الوزراء غير محصن ضد الاتهام الجنائي، فلا الدستور ولا القوانين تميزه عن غيره من المواطنين، فكما أن له الحق في مقاضاة الناس، فإن عليه أن يتقبل مقاضاة الناس له. وإذا كان ناصر المحمد حفيد المرحوم أحمد الجابر فإن مسلم البراك هو حفيد المرحوم حمد البراك، ويوم أمس الأثنين أعلن رئيس مجلس الوزراء عبر وكيله القانوني أنه قرر مقاضاة مسلم البراك وعدد من النواب.
وبناء على ذلك، ونظرا للمحاولات التي يبذلها ناصر المحمد بهدف التهرب من مسؤوليته السياسية ومحاسبته من قبل مجلس الأمة والدفع نحو حبس النواب وإسقاط عضويتهم وتعطيل جلسات مجلس الأمة وتهديد الناس باستخدام القوة لمنع اجتماعاتهم العامة وتقديم القضايا ضد شباب الحركة الاحتجاجية، فإن من حق أي مواطن، مقابل ما يفعله الرئيس، أن يطالب بمحاكمة ناصر المحمد محاكمة قانونية عادلة تحت طائلة القوانين الجزائية وتوقيع العقاب عليه، بل وحبسه متى ما تمت إدانته.. حاله كحال أي نائب أو مواطن. إنه ليس من العدالة ولا الإنصاف أن يفتح الباب على مصراعيه لرئيس مجلس الوزراء بمقاضاة الناس والسعي لحبس خصومه، ويُمنع الناس من مقاضاته والسعي لحبسه أيضا.. ألسنا في دولة قانون؟! وإذا كان الوكيل القانوني لناصر المحمد يقول بأن “ما افتراه البراك على سمو الشيخ ناصر المحمد في الشهرين الأخيرين يكفي لملاحقته قانوناً بكل ارتياح وسلاسة”، فإنني أقول أن هناك العديد من الأفعال التي ارتكبها ناصر المحمد تصلح، من الناحية القانونية الصرفة، كي تكون محلا لبلاغات جنائية تقدم ضده من قبل أي نائب أو مواطن إلى النيابة العامة، لا سيما ما يتصل منها بالمال العام، مثل “مصروفات ديوان الرئيس” و”الشيكات” وأخيرا “التحويلات الخارجية”، وكل ما أتمناه أن تحظى البلاغات التي قد تقدم ضد الرئيس قريبا بالمعاملة ذاتها التي تحظى بها البلاغات المقدمة منه. وبالطبع، لست هنا بصدد صياغة بلاغ ضد الرئيس، لكنني أود أن أشير إلى أن الوثائق الرسمية المتوفرة التي أعلنها النائب مسلم البراك تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن ناصر المحمد أمر بتحويل مبالغ طائلة من المال العام لحسابه الشخصي، وقد اعترف بهذه الواقعة صراحة وزير الدولة علي الراشد في تصريح صحفي نشر بتاريخ 20/10/2011، كما أقر الراشد، في التصريح ذاته، بواقعة خطيرة جدا هي قيام الرئيس بإعادة المبالغ التي قام بسحبها، وإعادة المبالغ تؤكد ولا تسقط فعل التعدي على المال العام. ما أريد قوله هو أنه إذا كانت مقاضاة النائب مسلم البراك “سلسة ومريحة” فإن مقاضاة ناصر المحمد ستكون، من الناحية القانونية، أكثر سلاسة وراحة. ومع ذلك كله، فإنني حقيقة لا أتمنى أن يتم تقديم ناصر المحمد كمتهم بأي تهمة كانت ولأي سبب كان كي نحافظ على مكانة ذرية مبارك الصباح التي بات واضحا أن الشعب الكويتي حريص عليها أكثر من حرص بعض الشيوخ!