جاسم بودي
شباب التغيير… لا تخذلوا الكويت
حكم المحكمة الدستورية الذي صدر مؤكدا تجريم الفرعيات هو حكم يتصل أولا وأخيرا بالشباب الذين عولنا عليهم منذ أكثر من سنتين لقيادة الحراك الشعبي الأساسي والمشاركة في صنع القرار.
شباب «التغيير»، وهي التسمية التي أطلقتها «الراي» عليهم بمختلف انتماءاتهم الحزبية وخلفياتهم المناطقية والطائفية والقبلية، مدعوّون اليوم لإكمال مسيرة تطوير النظام السياسي من خلال العمل على تكريس دولة القانون والمؤسسات، وبالتالي فإن قراءتهم لحكم المحكمة الدستورية بتأنٍ وعمق يكشف كم هي كبيرة المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
راهنّا دائما على الشباب وأفردنا لهم القلوب والعقول قبل الصفحات، ومن لا يحسن الربط بين التطوير والتغيير من جهة وبين الشباب من جهة أخرى يفقد بوصلة التقدير والتقييم.
راهنّا عليهم بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم. شبانا وشابات. جامعيين وناشطين. موظفين. أصحاب رأي وفكر. شجعناهم على المشاركة في الحياة السياسية والشأن الوطني بمختلف تفاصيله، وحاربنا السلطات كي لا تقفل أمامهم دروب التعبير. صفقنا لهم عندما أحسنوا العمل وانتقدناهم عندما تاهت بوصلة البعض منهم فاختلطت لديهم المعايير بين الضغط لتطبيق القانون وبين انتهاك القانون وبين التعبير وبين الفوضى.
لسنا في وارد تقييم المرحلة «الشبابية» السابقة، ولسنا من هواة الوقوف عند الخطأ وجلد الذات تماما كما لسنا من هواة تجاهل الخطأ وتبسيطه وتبريره. الإطار الكبير الذي حصلنا عليه هو أن حراس التغيير نفضوا عن كاهلهم غبار اللامبالاة والسلبية ودخلوا ميادين الشأن العام من اوسع ساحاتها، وإن الجيل الكويتي الجديد بدأ يشعر أنه قادر على العمل والعطاء والمشاركة في صنع القرار، وهذا يعني أن غالبية الكويتيين بدأت تتحرك والتجربة كفيلة بتطوير نفسها وتنقيتها من الشوائب وهذه هي في الأصل مسؤولية الشباب أنفسهم لأسباب ثلاثة: الأول انهم يؤطرون تحركهم في اتجاهات وطنية محددة الأهداف والتطلعات، والثاني انهم يقنعون المتخوفين من الانفتاح الديموقراطي بأن قادة المستقبل يتمتعون بالحيوية وبالروية في الوقت نفسه، والثالث انهم يمنعون «سارقي النضال» (وهي التجارة الأكثر انتشارا في العالم العربي حاليا) من سرقة تعبهم وجهدهم وتضحياتهم وبالتالي استغلالهم في مآرب مختلفة عن الشعارات المعلنة.
لذلك، «شباب التغيير» مدعوون اليوم لا إلى الاستراحة بعد المرحلة السابقة الصاخبة بل إلى السير قدما نحو الأمام متكئين على التجربة نفسها متجاوزين بعض سلبياتها. والنقطة المركزية الأولى في رأينا للدلالة على النضج الذي يتمتعون به هو تشكيل مجاميع شبابية وظيفتها دعم تطبيق قانون تجريم الفرعيات وتوابعه المتمثلة في الحكم الأخير للمحكمة الدستورية طالما أننا نعول عليهم للانتقال إلى مستقبل أفضل، خصوصا أن حكم «الدستورية» تضمن فقرات يفترض أن تكون في صلب أهداف وتطلعات الشباب.
فشباب التغيير، ونحن على ثقة بأنهم يغلبون الهم الوطني على ما عداه، قرأوا بالتأكيد في حكم المحكمة أن «الفرعيات» تقسم المجتمع لاعتبارات مردها إلى نزعاتهم العرقية أو عصبيتهم القبلية أو الطائفية.
وشباب التغيير، ونحن على ثقة بأنهم ينشدون الوحدة بل هم حققوا غالبية أهدافهم بهذه الوحدة، قرأوا بالتأكيد في الحكم نفسه أن «الفرعيات» تبث الفرقة والتناحر والتشاحن بين أبناء القبائل والطوائف بصفة عامة وبين أبناء القبيلة والطائفة الواحدة بصفة خاصة.
وشباب التغيير قرأوا في الحكم عن تقويض قيم المواطنة وإحلال ولاء الفرد للقبيلة أو الطائفة محل ولائه لوطنه، وعن إتاحة فرص الفوز للعناصر التقليدية صاحبة النفوذ والتأثير داخل القبيلة أو الطائفة على حساب العناصر الأكثر قدرة على العطاء والإبداع.
دور الشباب في تطبيق القانون المتعلق بأهم عملية ديموقراطية، أي التصويت والانتخاب، سيرسم للجميع وعلى رأسهم السلطة، خريطة طريق للمقبل من الأيام حدودها مختلفة وعناصرها صعبة، وسيكفل لهم قاعدة انطلاق لمحاربة الأمراض الأخرى بدءا من التجاوزات في مختلف القطاعات وانتهاء بالفساد والطائفية والمحسوبية والواسطات والمحاصصة.
نعرف تماما أن هناك من سيقول إننا اختصرنا مشكلة البلد كلها في موضوع الفرعيات، لكننا بالتأكيد لم نفعل. نحن نريد من شباب التغيير الانطلاق من هذا الموضوع إلى مواضيع أخرى كونه يتعلق بظروف راهنة وآنية وكونه يشكل تحديا حقيقيا أمام الجيل الجديد الذي بلور شخصيته في ساحات المشاركة السياسية رفضا لما هو موجود وسائد وليس من اجل تكريسه.
شكلوا لجانكم، اصدروا بياناتكم، اعقدوا ندواتكم، ساهموا في نشر الوعي الانتخابي بين الناس، وابتكروا أساليب خلاقة لمراقبة تطبيق القانون تماما كما انتفضتم ضد الفساد والرشوة.
يا شباب التغيير أنتم أمل الكويت فلا تخذلوها.
أضف تعليق