أقلامهم

عبد الهادي الجميل يكتب عن صراخ البدون ومراحل تطور النواب الزواحف

عبدالهادي الجميل
الموت صبرا
التطور سمة الحياة والدليل الأبرز على حركتها وصيرورتها. لا شيء يبقى على حالته التي بدأ بها، ولهذا تتغير الأشياء بتغيّر المراحل التي تمر بها.
 الإبل -على سبيل المثال- وهي أكثر مخلوقات الله صبرا وجَلَدا واحتمالا، تتغيّر أسماؤها تبعا لتغيّر مراحلها السنيّة. فأول ما يولد ابن الناقة يكون اسمه حوار ثم مفرود وهذه المرحلة هي الأخطر على حياة هذا الحيوان، حيث يُصبح مُعرّضا للذبح والوضع على صحن “بو كرسي” بيضاوي الشكل. والمفرود الناجي المحظوظ، يصبح اسمه حق  ثم لقي وعندما يتم الخامسة من عمره يصبح ثني وبعد ذلك رباع ثم سديس حتى يصبح  هرش أو فاطر.
لدينا في الكويت مثالان على التطوّر الذي نتحدث عنه، الأول التغيّرات التي طرأت على مسميات كتلة الموالاة البرلمانيّة منذ بداية العمل السياسي الدستوري وحتى اليوم. ففي البداية كان يُطلق على النائب غير المنتمي للمعارضة اسم نائب موالي ثم تحوّل اسمه إلى نائب خدمات وبعد ذلك أصبح نائبا حكوميا وكان هذا النائب آخر عهد نوّاب الحكومة بالحياء السياسي لأنه كان يصوّت مع الحكومة صباحا ثم يعتكف في بيته ليومين كاملين خجلا من الناس، ويقال بأنه كان يجلد نفسه آناء الليل وأطراف النهار حتى يفقد الوعي، وعندئذٍ يشعر بأنه قد كفّر عن إثم تصويته ضد مصالح الشعب. 
بعد ذلك دخلنا في مرحلة الانبطاح، فأصبح لدينا مسمّى النوّاب الإنبطاحيين وهم نوعية من النواب ما ينعرف لهم “وجه من قفا”، كادوا لفرط انبطاحهم أن يصبحوا زواحف لولا أن تحوّلوا في آخر لحظة إلى النواب العقلاء-كما أسموا أنفسهم-، ولكن النائب”التأزيمي” فيصل المسلم أطلق عليهم اسم نوّاب “إلاّ الرئيس”، ثم أصبحوا “النواب القبّيضة” وهم مجموعة بائسة “لا تستحي ولا تنتخي”، تجمعهم الذمم الفاسدة وتفرّقهم المبادئ. 
عميدهم هو الذي مر على جميع هذه التسميات فصنع أسوأ إرث سياسي ممكن لنائب أن يصنعه على مدى 30 سنة، ختمه بمسك التزوير، فصدق فيه قول جرير:
وكنتَ إذا حللتَ بدار قومٍ…. رحلتَ بخزيةٍ وتركتَ عارا
أمّا المثال الثاني فيتعلّق بالفئة المغضوب عليها والمسكوت عن معاناتها في الكويت، وهي فئة البدون التي تعيش خارج مظلّة الديمقراطية الكويتية التي لا ينضوي تحتها سوى حملة الجنسية الكويتية. 
في البداية كان يُطلق على هذه الفئة اسم بادية الكويت، وبعد ذلك أصبح الاسم كويتيين بدون اثبات، ثم بدون جنسية، وبعد ذلك غير محددي الجنسية، ثم غير كويتي، بعد ذلك أصبح الاسم مقيم بصورة غير شرعية وأخيرا وليس آخرا استقر اسمهم الرسمي على مقيم بصورة غير قانونية. 
صباح غدٍ الاثنين سيمثل 48 شابا من البدون أمام المحكمة، بتهمة الصراخ ألما أثناء تلقّيهم الضرب على يد القوات الخاصة، والتهمة الأخرى هي ارتكابهم جريمة ذرف الدموع عند استنشاقهم غاز القنابل المسيلة للدموع التي أُطلقت عليهم خلال مطالبتهم السلميّة-قبل أشهر- بحقّهم الانساني والشرعي والأخلاقي في العيش الكريم الذي حُرِموا منه منذ 5 عقود حتى أصبحوا يفوقون الإبل صبرا وجَلَدا واحتمالا.