العلاقة الزوجية التي وصفها المولى ـ عزَّ وجلَّ ـ بالميثاق الغليظ، فهي عقد مقدس، يجمع بين الرجل والمرأة، ويزداد قوة وتمكناً مع وجود الأبناء الذين يذوبون أي حواجز بين الزوجين مهما بلغ حدها وقوتها، إلا أنه فيما يبدو لا تقوى تلك العلاقة وهذا الميثاق والعهد على الصمود حين تطلُّ الطائفية برأسها، حيث تتداعى أركان الأسرة فيغيب العقل ما بنته العواطف في سنين عديدة.
وتحت هذا المعنى ، نطالع على الصفحة الثلاثين من صحيفة الصنداي تلغراف البريطانية الصادرة اليوم تحقيقا مفصَّلا يتناول الأزمة التي تعصف بسورية منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية فيها ضد النظام في الخامس عشر من شهر مارس الماضي، ولكن هذه المرَّة من زاوية إنسانية لا يغيب عنها شبح العنف والطائفية.
فتحت عنوان “الصراع السوري يمزِّق عائلة ويشتِّت شملها”، نقرأ تحقيقا ميدانيا أعدَّته مراسلة الصحيفة من منطقة عكَّار في لبنان، راث شيرلوك، وتروي من خلاله قصَّة هيثم محمَّد، وهو ضابط برتبة رائد ويقول إنه انشقَّ مؤخَّرا عن الجيش السوري ليلتحق بالمسلَّحين الذين يسعون للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقرَّر مؤخَّرا هجر أسرته والفرار من الجيش السوري ليلتحق بما بات يُعرف بـ “الجيش السوري الحر” الذي يسعى مع المعارضة للإطاحة بنظام الأسد.
تبدأ الصحفية تحقيقها بالقول: “بينما كان الرائد هيثم محمَّد يستعدُّ للعودة إلى سورية من مخبأه في لبنان والقتال للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، اتَّصلت به زوجته مرارا على هاتفه الخليوي من داخل سورية”، الزوجة لم تكن تتَّصل بزوجها لكي تحثَّه على القتال من أجل الحرية ضد نظام الأسد، أو حتَّى للاطمئنان عليه ولتنبيهه لضرورة أن يكون حذرا، بل كان الاتِّصال لسبب آخر مختلف كليَّا.
فالرائد هيثم من الطائفة السنيَّة، وزوجته وأم أولاده من الطائفة العلويَّة التي ينتمي إليها الأسد. وقد اتَّصلت الزوجة بزوجها، لكي تصبَّ جام غضبها على “الجيش السوري الحرِّ” المنشقِّ الذي التحق به زوجها لتوِّه، ولتعبِّر له عن حسرتها على حقيقة أنه تخلَّى عن أسرته وتركها لتواجه الأزمة لوحدها.
يقول هيثم :”تتَّصل بي كلَّ ساعتين لتخبرني كم أنَّ الأمر مروِّع أن يقوم المتظاهرون “الإرهابيُّون”، كما تصفهم، بقتل الجنود العلويِّين”.
الرائد هيثم، الذي يبلغ من العمر 42 عاما، متزوِّج من زوجته العلويَّة منذ 15 عاما، يروي أنه لطالما استشاط أفراد عائلتها غضبا عندما علموا أنَّ ابنتهم على علاقة بشاب من خارج الطائفة، إلاَّ أن الحبَّ الحقيقي، يقول هيثم، هو الذي تغلَّب عندما غزا قلبيَّ الحبيبين اللذين تكلَّل حبُّهما بزواج أثمر عن طفلين: صبيّ يبلغ الآن من العمر 14 عاما، وفتاة عمرها 11 ربيعا.
لكن خريف تلك العلاقة، يقول هيثم، بدأ مع أولى نسمات الربيع العربي التي هبَّت على المنطقة ووصلت ربوع البلاد، وكان لحمص منها النصيب الأكبر، مقارنة بالمحافظات السورية الأخرى.
يقول التحقيق إن الخلافات الدينية بين الزوجين بدأت تترك آثارها على الأسرة مع مرور الزمن، وهكذا أخذت تلك الخلافات تعصف بالعلاقة بينهما لتمزِّقها في نهاية المطاف وتتشتَّت معها أسرة كانت حتَّى الأمس القريب تعيش بسعادة وهناء، بعيدا عن السياسة والطائفية.
ويضيف هيثم: “زوجتى تحبُّ الجيش، وتحبُّ بشار الأسد. هي تشاهد تلفزيون الدولة، وتشعر بالحزن والأسى عندما ترى الجنود وعناصر الأمن التابعين للدولة يُقتلون كلَّ يوم، وتصدِّق كلَّ ما يقوله التلفزيون الرسمي السوري عن الأحداث في البلاد، وكذلك تفعل أسرتها والطائفة أيضا”.
ويتابع الرائد هيثم قائلا: “في كلِّ يوم كنت أعود فيها إلى البيت لأشرح لها ما يحصل على نقاط التفتيش. كنت أقول لها إنه من الخطيئة أن يقتل الشبِّيحة المتظاهرين. لكنها لم تكن تفهم ما الذي يعنيه مفهوم الشبيحة، ولم تكن تتَّفق معي، بل كانت ترتبك وتقول إنها ضد القتل”.
ويؤكِّد الرائد هيثم أنه مصمِّم على متابعة النضال والقتال، وذلك على الرغم من أنه يعلم أن مواصلة السير في ذلك الطريق يعني الحرب الأهلية بالنسبة للبلاد برمَّتها. وبالتالي فإن ذلك يعني أيضا خسارته لأسرته للأبد.
ويختم الرائد هيثم حديثه للصحيفة قائلا: “أشعر أنَّني قد خسرتهم، وأنا أخاف عليهم، ولهذا فأنا أبكي كلَّ يوم.”
أضف تعليق