كلّنا «قبّيضة»
صالح الشايجي
لغتنا السياسية فقيرة وعطشى وجائعة ويتيمة يفضح يتمها برد الاحداث والحوادث السياسية.
وبلادنا عاشت وستعيش لأجل غير مسمى أزمة النواب المرتشين الذين فتحوا خزائن ضمائرهم لتصب فيها أموالنا التي حرّم الله أخذها جبرا وبغير حق، وسوّرها بالنار والزقوم، وسوّرها الناس بالعار يدمغ جبين من اغترفها في ليل نامت فيه الضمائر.
ولغتنا السياسية الجرداء لم تسعف سياسيينا بصفة يستحقها أولئك المرتشون الفارشون ضمائرهم على الأرصفة كعورات تنتهكها العيون السيّارة، فأطلقوا عليهم أو وصفوهم بـ «القبيضة»، وهو كما أرى وصف هيّن ليّن، وصف تجميلي لا يعبر عن بشاعة الحالة.
القبض والذي اشتق منه وصف «القبيضة»، هو حالة عادية، فكلنا نقبض وبالتالي كلنا «قبيضة»، ولكن ثمة فرق بين قبض وقبض، بين قبض شريف وقبض دنيء يتم في الظلام وفي السراديب لرؤوس مطأطئة وجباه تكاد تلامس الأرض ذلا وانحطاطا.
ووصف أولئك النواب بالقبيضة فيه مساواة لهم بالشرفاء، بينما هم ارتكبوا إثما أخرويا وعارا دنيويا وخيانة وطنية، لذلك فهم آثمون معابون خونة لا «قبيضة» فكأننا نكرمهم إذ نصفهم بالقبيضة ونساويهم بغيرهم، وما هم بغيرهم متساوون ولا حتى تداني أكتافهم أكتاف الآخرين.
وكي لا ننسى ـ ومن أجل أن يظل جرس الحقيقة مدويا في ذاكراتنا ـ فإن علينا استعادة حوادث سابقات تصل إلى حد التوأمة مع حكاية القبيضة ذات الأجراس المدوية في أسماعنا هذه الأيام والتي أدت الى الاعتصامات الجماهيرية واستقالة رئيس الوزراء السابق وحل مجلس الأمة، فلقد تسربت أخبار ـ تأكدت فيما بعد ـ عن مبالغ مالية «قبضها» بعض النواب أيضا، ولكن تلك الأخبار ورغم العاصفة الهادئة التي رافقتها مرت مع السحاب وتبخرت من ذاكراتنا ونسيناها، بل تحول بعض أبطالها إلى شرفاء في قضية القبيضة الحالية ورفعوا الصوت عاليا ضد القبيضة ونسوا أنهم هم لا غيرهم من ابتدع فكرة القبض اللصوصي والسراديبي، ولكن الفرق كان في القيمة لا المبدأ، فقد تحولت آلافهم المتواضعة التي قبضوها إلى ملايين في أيدي قبيضة اليوم، وربما هذا ما أثار حفيظتهم وكشف تواضع مكانتهم لدى من أعطاهم، وهذا ما أثارهم.
أضف تعليق