محمد عبد القادر الجاسم
مجلس القضاء والخطأ المتكرر
الانتخابات القادمة هي الانتخابات الثالثة التي تجرى وفق نظام الدوائر الخمس. كانت المرة الأولى في العام 2008 والثانية في العام 2009. وليس بإمكان أي مراقب ومتابع للانتخابات إلا أن يقر ويعترف أن السادة القضاة ووكلاء النيابة الذين أشرفوا على الانتخابات واجهوا صعوبات جمة عند فرز وحساب الأصوات، وقد كانت انتخابات 2008 تحديدا «كارثية» حين تم استخدام نظام التسجيل الإلكتروني للأصوات بالاتفاق بين مجلس القضاء ووزارة العدل على الرغم من تحفظ وزارة الداخلية، فجاءت النتائج المعلنة مجملة ومخالفة للواقع، وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى التراجع عن هذا النظام في انتخابات 2009.
وخلال الأيام الماضية نشرت الصحف أن مجلس القضاء الأعلى يتجه إلى تشكيل لجنة عليا للإشراف على الانتخابات، وهذا خطأ متكرر.. فليس لمجلس القضاء أي صفة قانونية على الإطلاق في تشكيل اللجنة ولا في الإشراف على الانتخابات، وأتحدى كائنا من كان أن يأتي بنص قانوني يمنح مجلس القضاء سلطة الإشراف على الانتخابات، لذلك فإنني أنبه أعضاء مجلس القضاء إلى هذه المخالفة المتكررة، وها أنا أوضح لهم الوضع القانوني للقضاة في الانتخابات، حفاظا على سلامة النتائج وحرصا على سمعة القضاء، لاسيما ونحن نمر في مرحلة يسود فيها صراع سياسي محتدم وتتداول الناس فيه إشاعات حول احتمال تلاعب الحكومة في نتائج الانتخابات، لذلك فمن باب الحرص على سمعة القضاء يأتي هذا المقال.
لكل وزارة مرسوم يحدد اختصاصها، ولا يجوز لأي وزارة أن تقوم بعمل ليس من اختصاصها. وبالاطلاع على المرسوم الصادر بتاريخ 7 يناير 1979 في شأن وزارة الداخلية، يتضح أن المادة الثانية من المرسوم المشار إليه حددت اختصاصات وزارة الداخلية بأمور وردت في نص تلك المادة. حيث بينت الفقرة رقم 11 من تلك المادة أن من بين اختصاصات وزارة الداخلية «الإشراف على الإجراءات الخاصة بالانتخابات العامة وتنظيمها وتنفيذها وفقا لأحكام القانون». وبهذا النص يكون الاختصاص بالإشراف على انتخابات أعضاء مجلس الأمة قد انعقد لوزارة الداخلية وحدها في حدود القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة وتعديلاته. وينبني على هذا الأمر عدم اختصاص أي جهة أخرى، كوزارة التربية مثلا، أو مجلس القضاء، بإصدار قرارات تتصل بشؤون الانتخابات. أما عن حدود دور وزارة العدل فإنه، وفقا لقانون الانتخابات، لا يتعدى إصدار قرار يتضمن أسماء القضاة الذين يتم تكليفهم بالإشراف على الانتخابات من دون أن يكون لمجلس القضاء أو لرؤساء المحاكم أي سلطة من أي نوع عليهم. وبالتالي فإن قيام مجلس القضاء بتشكيل لجنة عليا للإشراف على الانتخابات هو إجراء باطل من جميع جوانبه.
أضف تعليق