قانون حماية الرشاوى الانتخابية!
كتب أحمد الديين
لا يكفي أن تكون الانتخابات النيابية حرّة في يوم التصويت، وإنما يجب أن تكون الانتخابات نزيهة… وتتطلب نزاهة الانتخابات أن يكون هناك قانون رادع للجرائم الانتخابية من جهة، وأن تكون هناك إرادة حقيقية لضمان نزاهة الانتخابات من جهة أخرى… والمؤسف أنّ هذين المتطلبين الأساسيين مفقودان تماما في الانتخابات الكويتية!
وأبدأ بالقانون، حيث يحدد القانون رقم 35 لسنة 1962 وتعديلاته بشأن انتخاب أعضاء مجلس الأمة الجرائم الانتخابية، ومن بينها بالطبع جريمة الرشوة الانتخابية، إذ تنص المادة 44 من القانون بأن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين…
ثانيا: كل مَنْ أعطى أو عرض أو تعهد بأن يعطي ناخبا فائدة لنفسه أو لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين أو على الامتناع عن التصويت… ثالثا: كل مَنْ قَبَلَ أو طلب فائدة من هذه القبيل لنفسه أو لغيره… ونجد هنا أنّ القانون قد ساوى عقوبة الناخب المرتشي مع عقوبة الراشي سواء أكان مرشحا أم وسيطا، ولم يوفر هذا القانون أي حافز للمرتشي أو الوسيط كالعفو من العقوبة إذا ما أخبر السلطات العامة بالجريمة بعد تمامها، وهذا يعني أنّ الناخب الذي يقبل الرشوة ويبادر بعد ذلك إلى كشف الجريمة أمام السلطات سينال العقوبة المقررة حبسا أو غرامة مالية أو كلاهما معا، شأنه شأن المرشح الراشي، وكذلك هي حال الوسيط الذي قد يلجأ إلى السلطات لكشف جريمة الرشوة الانتخابية لسبب أو لآخر… وبالطبع لا يمكن تصور أن يبادر المرشح الراشي إلى مثل هذه الخطوة، وبالتالي فإنّ عدم النص على حافز الإعفاء من العقوبة للناخب الذي يقبل الفائدة لنفسه؛ أو للوسيط الذي يقبل الفائدة لغيره في حال إخبار أيٍّ منهما السلطات بجريمة الرشوة الانتخابية سيدفعهما إلى التستر عليها ويحول بينهما وبين الكشف عنها، وهذه حماية ما بعدها حماية للراشي، حيث تكتمل حلقة السرية والمصلحة في الكتمان بين الأطراف الثلاثة المرشح الراشي؛ والوسيط إن وجد؛ والناخب الذي يقبل الفائدة لنفسه، حتى وإن كان هدفه من قبولها كشف الجريمة وفضح الراشي!
والمؤسف أكثر أنّ قانون الانتخاب لا يفرض على المرشح الراشي في حال إدانته بارتكاب جريمة الرشوة الانتخابية عقوبة الحرمان من الانتخاب والترشيح وإسقاط العضوية في حال انتخابه نائبا، وإن كان هذا متحققا بصورة غير مباشرة عبر قانون الجزاء وقانون الانتخاب في الجرائم المخلّة بالشرف والأمانة، وكذلك لم يفرض القانون عقوبات تبعية أخرى سواء على المرشح الراشي؛ أو على الوسيط؛ أو الناخب المرتشي كالعزل من الوظيفة العامة في حال إدانته، مع أنّ النص على مثل هذه العقوبات التبعية المشددة يمثّل عنصر ردع مطلوبا لهذه الجريمة السياسية الخطرة… وغير هذا يكفي أن تنقضي ستة أشهر على إعلان نتائج الانتخاب أو على تاريخ آخر عمل متعلق بالتحقيق، حتى وإن كان هناك شيء من التراخي المتعمّد، حتى تسقط جريمة الرشوة الانتخابية بالتقادم الزمني، على خلاف جريمة الرشوة العادية!
أما العنصر الأهم بعد هذا القصور القانوني الفاضح، الذي يوفر الرعاية الحقيقة والحماية الفعلية لقوى الإفساد والفساد فهو انعدام الإرادة السياسية لدى السلطة التي يفترض أن تسعى إلى ضمان نزاهة الانتخابات وتحرص على كشف جرائم الرشاوى الانتخابية وملاحقة مرتكبيها.
ومن ثَمَّ، فإذا صحّ ما يتواتر هذه الأيام من معلومات وما يتم تداوله من أخبار حول استعدادات بعض مراكز النفوذ لتمويل بعض المرشحين المحسوبين عليها في الانتخابات المقبلة وما يأمله أصحاب هذه المراكز من نتائج يمكن أن تعيدهم مجددا إلى مواقع القرار، فسنرى بدعا غير مسبوقة من الرشاوى الانتخابية!
أضف تعليق