أما قبل:
وَدَهرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ
وَإِن كانَت لَهُمْ جُثَثٌ ضِخامُ
(المتنبي)
ليس هناك أبشع وأكثر فظاعة من أن تقول لمن يُدمر عمرك “طال عمرك”، ولكن هي عبارة تتوارثها الألسن من الأجداد إلى الأحفاد، فمنذ أن كان طفلاً وهو يشاهد أباه يقدم المديح في وجهك ويبصق على وجهك في الصور، ينطق فمه لك “سَم” ويصرخ في صدره “سُم”..!
الجميع يمارس في بلاطك ترانيم التعظيم من “طال عمرك” إلى الخشوع في تلاوة “سمعاً وطاعة”، يسجدون لوثن طاعتك جهراً، ويصلون في محراب معارضتك سراً، حتى انتابك شعور بأنك كبير آلهة المعبد، وليس هناك فأس على مقاس عنقك ليعلق عليه، تـُردد في خلجات نفسك مقولة لويس الرابع عشر (أنا الدولة)..!
كل الأهازيج تدون باسمك، يستقبلك الأطفال بالورود وتستقبل مستقبلهم بالأشواك، وبهائم حظيرة الإعلام تلحق خلف كيس الأعلاف المُتدلي من آخر عصا هباتك دون أن تنهك أو تقنط، ويلعق حذاءك لسان قصيدة متزلفة، أجاد شاعرها وزنها وفقد وزنه! أما بطانتك ومستشاروك، فهم موناليزا تتبعك نظراتها حيثما حللت وكيفما اتجهت، رضاؤك قوت جواريك، وغضبك جوع المسحوقين، الكل يحوم في مدارك كما كانت تحوم طائرة المعزول بن علي تبحث عن مستقر..!
الحاجة أم (الانصياع) ولولا الحاجة لم تنل السيادة، وما وجدت عشائر الحشرات حول قناديلك تبحث عن وطنٍ من الدفء، وإن الأنوار الاصطناعية تجذب الحشرات إليها وشمس الحق تحرق أشعتها جموع البكتيريا (والناسُ حيث يكونُ المالُ والجاهُ) بزعم أبي العتاهية، فإما القرب الذي يعطيهم فتات حقوقهم الآدمية أو فإن سجون تلك البلدة مثل قضبان الرئتين تحبس “الأوكسجين” النقي وتفرج عن “ثاني أكسيد الكربون” المضر..!
صدقني، قاعة للتشريفات تفتح على مصراعيها لك؛ لأن الأقدار الكونية أنجبتك من هذا الرحم بالتحديد، والأرواح في يوم الحشر لا ترتدي “البشوت” ولا يحمل كتابك يومئذ الموالي والعبيد، ومغسلة المقابر لا تغسل إلا جسدك فهي لا تطهر الأعمال والصحف..!
هذه الكلمات، عنانها يجوب رحاب صدري تصهل كمثل خيول البرية، تبغض سائس الصمت وترفض سرج الترهيب وخطام الترغيب.. تسلم باليد لكل مسؤول أو مدير ختم على مسامعه عبارة “طويل العمر” يعوض نقصك شخصيته بشخصانيته..!
صعلكة:
المواطن العربي.. يدعو للمسؤول بطول العمر.. وهو يمشي في جنازته!
محمد خالد العجمي
twitter:@abo3asamm [email protected]
أضف تعليق