كتاب سبر

د.عبدالهادي ناصر العجمي.. عُصارة فِكر

في كُل محاضرة يُلقيها أحد أساتذة التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الكويت، يقوم بطرح السؤال الآتي على مسامع طلبة وطالبات المُقرر : (إذا كُنت أنت مسافراً خارج البلاد، وأردت إثبات هويتك كـ كويتي لشخصٍ ما في بلدٍ ما، ماذا ستصنع؟) ، وبالرغم من مشاركة الجميع بإجابات مختلفة ومتباينه، يتمكن الدكتور من إقناع العموم بخطأ إجابته على هذا السؤال الأشبه بإحدى نظريات (إينشتاين) التي دُفِن معه سر شيفرة رُمُوزها.. والغريب في هذا الشأن، هو تحفظ الدكتور في كُل مره على الإجابة عن هذا السؤال (المُزعج) حسب تقديري الشخصي له، الأمر الذي فتح أبواب شكوك مُخيلتي على مصراعيها أمام التفكير بعجز طارح السؤال عن إجابته!
وبالمقابل، يقوم العميد المساعد لشئون الإستشارات والتدريب في كلية الآداب، الدكتور عبدالهادي ناصر العجمي، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الكويت، وأمين السر بالجمعية التاريخية الكويتية، بطرح سؤال أكثر تعقيداً هو الآخر، فعندما يتطرق هذا المفكر إلى قضية الشرعيه، والمفاهيم المتعلقه بالدولة، وماهية علاقة الفرد بالسلطة من جهة، وبالمجتمع من جهةٍ أخرى، وعلاقات الأفراد فيما بينهم، فأنه يقوم بطرح سؤال مبني على قاعدة السهل الممتنع: (ما هي الدولة؟) ، فيتدفق بعد ذلك وابل الإجابات المثالية، كـ (رقعة أرض، وسُلطه، وشعب محكوم) على سبيل المثال لا الحصر، ويتمكن هو الآخر أيضاً، أي السائل من إقناع العموم بخطأ إجابته على هذا السؤال، ولكن الفارق في هاذان التساؤلان، هو عدم التحفظ على الإجابه عن هذا السؤال، الأمر الذي جعل منه سؤالاً (مشوقاً) خلاف ذاك السؤال (المزعج) ، فيقول المفكر، مستطرداً في إجابته، الدولة … فكره، متى قامت المجتمعات بتصديقها صح عليها مفهوم مصطلح الدولة، أي أنه يترتب على العقول تقبُل فكرة المجتمع الواحد والمصير المشترك وتصديقها في ظل شرعية مشروطه لنطام حاكم لسلطه على حدود جغرافية واضحه ومحدده كواقع لا مفر منه، وبعبارة أكثر وضوحاً، تتوقف (الدولة) بمفهوميها الإصطلاحي والفعلي، على مسألة تصديق الفكرة من عدمها، ويتم بناء كافة هذه الأمور بـ (الرمزيه) و (الإستشعار) عن طريق تغذية العقول، تمهيداً لتقبلها فكرة (الدولة) كمشروع، العَلَمَ سيكون الرابط المشترك لكافة فئات وشرائح المجتمع، والنشيد الوطني سيتردد على ألسن جميع الأعراق والأطياف المتباينه، والإعلام سيرسخ دور السلطة ويعزز من مكانتها، ومع مرور الوقت، وهو الكفيل الوحيد لإتمام هذا المشروع، أي (الدولة) .. يستشعر العقل الباطن وجود حقيقه لا مفر له عنها، وواقع لابد من التعايش فيه، وعندئذٍ، تُضع النُقاط على الحروف، وتكون الأمور وفق نصابها بدايةً لعهد أي (دولة) .. ويُعزز المُفكر صحة ما يقول بعدة أدله وبراهين، منها : لو قام رئيس أركان الجيش الكويتي على سبيل المثال باحتلال وزارة الإعلام والاستيلاءُ عليها، ونَشر في صباح اليوم التالي بياناً يُنصِبُ فيه نفسهُ أميراً على البلاد، عندئذٍ .. سيتوقف الأمر على مدى تقبُل المُتلقي لهذا البيان المُتمثل بـ (فكرة) جديدة، والذي سيتم عدم تصديقُه؛ بسبب افتقاره إلى خاصية (الرمزية) و (الاستشعار) وفُقدانِه لعامل (الوقت)، فـ (الدولة) هنا مدنية، تم تقبُل فِكرة مدنيتُها منذُ النشأه وحتى يومُنا هذا، والإمره العسكرية بها في يد شخصية مدنية، وعلى هذا الأساس لا يتسنى لرئيس الأركان فِكرة مجرد التفكير بمحاولة إصدار أمر يعلم مُسبقاً إستحالة طاعته أو تنفيذه أو حتى تصديقه من قبل كافة منتسبي القوات المسلحة، والفكرة لتصديق (الدولة) كمشروع، ليست مرتبطة بنموذج (ديموقراطي) أو (ديكتاتوري) ، فليبيا معمر ظلت (دولة) قائمة تقبلها وصدقها الشعب الليبي، لأربعة عقود من الزمان، برغم مرورِها مُنذُ النشأه، بسلسلة من الثورات والمؤامرات والاغتيالات، وكما شهدنا جميعاً، إلحاح الثوار على طلب رأس القذافي بعد دخولِهم طرابلس، واستمرارهم في مطاردته خلال رحلة البحث عنه، على الرغم من إحكام قبضتهم على كافة المدن والقطاعات، لعلمهم المسبق، استحالة إقامة (دولة) جديدة، يصدق فكرتها ويتقبلها الليبيون، في ظل وجود القذافي حراً وطليق، (الرمزية)! 
 
‏FaisalBnOmer@