القبس تبوح للقارئ: بعض الحقائق عن الإيداعات
الآن، وقد استُكملت الإجراءات الدستورية تجاه قضية الإيداعات المليونية لنواب بتغيير الحكومة وحل مجلس الأمة، مما يعيد الأمر إلى أصحاب الحق الشرعيين لإصدار حكمهم، سياسياً وأخلاقياً على المتورطين، وشارفت النيابة على انجاز تحقيقاتها مع المعنيين تمهيداً لإصدار قرارها, بما يتيح للقضاء أن يحكم في القضية جنائيا.. الآن، صار بإمكان القبس أن تصارح القراء، والكويتيين عموماً، بحقائق عن الموضوع _ وليس، للأسف، كلها _ وأن تضعهم في صورة ما حصل بعدما تحقق عبر استجابة حكيمة، راقية، بعيدة النظر، من قبل ربان ماهر، محنك، يعرف ما يريده شعبه ويتجاوب مع هذه الإرادة.
وإذا كان من النادر جداً أن تتحدث القبس عن إنجاز مهني تحققه، أو موقف وطني تتخذه، لأنها تعتبرهما في صلب دورها، فإننا نرى أن علينا واجباً تجاه قرائنا والكويتيين عموماً. فنحن مدينون لهؤلاء جميعاً بالشكر، والعرفان، على احتضانهم ل القبس، ووقوفهم معها، وإلى جانبها، ودعمها، ربما في أحرج موقف مرت به منذ تأسيسها قبل أربعين عاماً. ونثق في انهم سيعذروننا، على عدم البوح بالحقائق كلها، لأن وقت بعضها لم يحن بعد.
100 يوم من الضغوط
فلم يعد سرا القول إن القبس تعرضت، على مدى أكثر من مائة يوم، لضغوط شتى، هائلة، غير مسبوقة، من جهات عدة، على خلفية السبق الصحفي الخاص بنشر تقرير الإيداعات المليونية لعدد من نواب الأمة في 20 أغسطس الماضي. وبعض تلك الضغوط لايزال مستمراً حتى اليوم!
عشية ذلك اليوم التاريخي، اتخذت إدارة التحرير قرارها بنشر خبر الإيداعات، لأنها مادة صحفية استثنائية، تكشف انتهاكاً للقانون، من قبل أشخاص يفترض أنهم مؤتمنون عليه، وإيمانا منها بأهمية نشر غسيل الفساد على الملأ، حتى يقف الجميع عند مسؤولياتهم الوطنية، ويتوقف العبث بالقانون من قبل أعضاء في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتنتهي الإساءة إلى صروح أساسية في اقتصادنا الوطني، خصوصا ان ما حصلنا عليه معلومات مؤكدة، لا غبار على صدقيتها.
منذ البداية، كانت إدارة التحرير تتحرى الدقة المتناهية، والحذر البالغ، والصدقية التي لا يرقى إليها أي شك, واعتماد المقاييس المهنية الرفيعة المعمول بها في الصحيفة, والتوثيق المحكم لقانونية نشر الخبر من عدمها. كما وضعت نصب عينيها المصلحة الوطنية العامة, ومن ضمنها مصلحة القطاع المصرفي، احد الاركان الرئيسية في اقتصادنا الوطني. وبعد أن تأكدت أن كل هذه المعايير متوفرة في خبرها، اتكلت ونشرت.
لم يكن وراء قرار النشر سوى التزام مهني – وطني. وآثرت القبس، على عادتها، عدم الانجرار وراء أي أجندة سياسية، بل التزمت المهنية الخالصة، والاحتراف البالغ في التعاطي مع هذه القضية الفائقة الحساسية.
صدمة مدوية .. وغبار كثيف
الخبر عند نشره أحدث صدمة مدوية، وذهولاً اقترب من عدم التصديق، بل سارع البعض للتشكيك والإنكار.
وتعرضت الصحيفة منذ وصول عددها المذكور إلى القراء، لضغوط شتى من جهات عدة.
طبعاً، أول الضغوط كان التشكيك، وعدم التصديق، ولم يتورع البعض عن التكذيب. حتى ان قضايا رفعت ضد القبس، كان الهدف منها جر الصحيفة الى الإدلاء بمعلوماتها، وكشف مصادرها أمام النيابات العامة.
ثم تفجرت حملة تشويش كبيرة حول «مصدر» الخبر، وأحياناً «المصادر». وكانت مضاربة ناشطة, لكنها عبثية, بالتكهنات. تخمن، وتتكهن، عمن زود القبس بالتقرير, أو سرّب الخبر لها. وهذا ضغط شديد، لأن حماية المصدر من أهم مبادئ العمل الصحفي، وركن أساسي في الأخلاق والأعراف الصحفية.
ولما بدأت الوقائع تُسقط حجج هؤلاء، عمد البعض إلى تصنيف الموضوع على أنه لا يتعدى كونه إثارة صحفية، رغم أن القبس لم تعتمد في تاريخها الإثارة أسلوباً لعملها وموقفها، ولم تلجأ للفضائحية كسباً لقارئ أو سعياً لزيادة التوزيع.
كما تعرضت الصحيفة لحملات، بعضها بحسن نية وبعضها الآخر بسوئها، تحت شعار «المساس بالنظام العام».
وعلى الرغم من ذلك الاتهام الخطر، آثرت القبس، مرة بعد مرة، وضع الأمور في نصابها الحقيقي، بعيدا عن صب أي زيت على أي نار.
الى ذلك، أثير غبار كثير هنا وهناك للتغطية على السبق التاريخي لأسباب كامنة نحن نجهلها. محاولاً تكذيبه او التقليل من أهميته.
تصفية حسابات لا تخصنا
وحاول البعض ان يدخل المسألة كلها في معركة تصفية حسابات لا ناقة لــ القبس فيها و لا جمل. ناهيك عن معارك إلكترونية عبر تويتر وفيسبوك وواتس آب.. كان معظمها مشككاً في مصداقية الجريدة، وساعيا في تعليقاته إلى اتهامنا بتهم شتى، ليست فينا بالتأكيد.
ثم أخذت الضغوط منحى أكثر خبثاً، متهمة القبس بالدخول في صراع الأسرة، وهي من ذلك براء حتماً. كما نسبت إلينا سيناريوهات واجندات ما أنزل الله بها من سلطان.
وكان بين أوجه التشكيك السؤال غير البريء: لماذا الآن؟ بينما الصحافة اليومية مهنة قائمة على الآنية والراهن من الأحداث، وأن لم تواكبها تخلفت، وفاتها القطار.
ثم جاءت مقولة إن الصحيفة لم تنشر أسماء المعنيين بالإيداعات المليونية. بينما عدم النشر لم يكن تقاعساً عن واجب، أو تهرباً من مسؤولية، بل بحكم قانون المطبوعات الذي يمنع نشر تلك الأسماء قبل صدور حكم قضائي نهائي، أو مواكبةً للتحقيق.
وبموازاة ذلك كله, كانت القاعدة الواسعة من قراء القبس, وأصدقائها في طول البلاد وعرضها, ومعهم الذين يشهدون لها بالصدقية والموضوعية والدقة, وهم كثرُ, في حيرة. بانتظار الكلمة الفصل, ليطمئنوا على صحيفتهم, وليتيقنوا ما اذا كان الحاصل ارتكاباً وتجاوزاً بهذا الحجم الخطير فعلا.
.. وبدأت بلاغات المصارف
استمرت الحملة والضغوط الهائلة إلى أن بدأت بلاغات من مصارف ترد إلى النيابة العامة، تؤكد الشبهات في تلك الايداعات غير المشروعة، وتعطي في الوقت نفسه خبر القبس، الصدقية الكاملة. فما كان من الصحيفة إلا الثناء على المصارف في لعب دورها في عملية التنظيف المطلوبة.
زاويتان لا ثالثة لهما
إدارة التحرير فضّلت إدارة ظهرها لكل الاتهامات الباطلة والادعاءات المغلوطة، واستمرت في متابعة القضية من زاويتين لا ثالثة لهما، هما: العمل الصحفي المحترف غير العابئ بأي عتب هنا أو غضب هناك، والالتزام الوطني البعيد عن أي غرض ذاتي أو مصلحة فئوية، لأن الهدف كان ولا يزال: محاربة الفساد.
وهذا ليس بجديد علينا، ولا بغريب عن تقاليدنا منذ تأسست القبس إلى يومنا هذا. فمعظم قضايا الفساد الكبرى خلال عقود خلت، كانت القبس الأولى في كشفها والتصدي لها ومتابعتها بكل أمانة صحفية.
إنجاز غير مسبوق
اليوم، وبعد ان وصلت البلاغات المقدمة الى النيابة العامة 18 بلاغا، وبعد كل التداعيات السياسية، وليس اقلها استقالة الحكومة وحل مجلس الأمة، وتشكيل حكومة جديدة، والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة ومثول معظم المشتبه بهم أمام النيابة، وبعد ان تأكد ان القبس قد حققت انجازاً تاريخياً غير مسبوق في الصحافة الكويتية، بمفاعيله وأهميته في مكافحة الفساد، وتعزيز دور الصحافة في هذه المعركة الوطنية الأولى، يمكن قول الآتي:
السبق الصحفي كان نزيهاً بعيداً عن اي توظيف سياسي، مهما كان حجمه أو نوعه، وبراء من أي هدف مصلحي.
كانت القبس ملتزمة منذ البداية نشر وقائع وحقائق بعيداً عن أي مضاربة بالمعلومات، وتبين صدق المنهج الذي اتبعناه.
لم تنجرّ الصحيفة الى اي معركة سياسية بهذا الاتجاه او ذاك، لا بل كانت متوازنة جداً في تغطية كل الاحداث السياسية اللاحقة للخبر/ السبق.
لم تردّ الصحيفة على اي سهم تشكيك، لانها لم تُصَب به اساساً، لثقتها بصحة ما نشرت، وإيمانا منها بدورها الوطني والاخلاقي والمهني المجرَّد عن اي غاية ضيقة.
لم يكن الخبر/ السبق امراً يتيما في تاريخ الصحيفة، بل اتى استمراراً في كشفها السابق واللاحق، لكل ما يمس نزاهة العمل السياسي والمصرفي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والرياضي، والتعليم والصحة. وعلى نحو يؤكد موقع القبس كوسيلة اعلام رائدة وأداة تنوير لها دورها الوطني في عملية الإصلاح والتنمية.
لم ترضخ القبس لأي نوع من أنواع الضغوط التي مورست عليها، وكانت هائلة، ومتعبة، وبعضها مستمر. فلا التشكيك في الخبر كان له اي وقع، ولا اتهامات التوظيف السياسي كانت محل اهتمام.
أخيراً، تتعين الاشارة الى ان مهنة المتاعب التي هي الصحافة.. نحن لا نعتبرها كذلك، بل نقول انها صاحبة الجلالة الصحافة، وكفانا في ذلك فخراً، ونحن نعرف قيمة الصحيفة المؤتمنين عليها، ونحرص على صدقيتها، ومهنيتها، ودورها الوطني.. ونجدد شكرنا لقرائنا الذين شعرنا بحرارة دعمهم وتعاطفهم.
أضف تعليق