محمد عبدالقادر الجاسم
بلاغ تاريخي
لا أدري كيف سيتعامل رئيس مجلس الوزراء القادم، أي بعد الانتخابات، مع فضيحة «التحويلات المالية الخارجية»، التي كانت أحد محاور الاستجواب الأخير لرئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد، ففي تلك الفضيحة ما يكفي من «وقائع» و«أدلة» لتقديم بلاغ إلى النيابة العامة. فهناك أولا الوثائق التي تثبت واقعة تحويل المبالغ من أموال الدولة (أموال عامة) عن طريق البنك المركزي ووزارة الخارجية. وهناك ثانيا مضمون تلك الوثائق الذي يؤكد أن المبالغ المحولة إلى الخارج لم تكن تصرف لأغراض عامة، إذ جاءت صيغة أوامر التحويل على النحو التالي: «بناء على تعليمات ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء، يرجى العمل على تسليم (…..) مبلغ (……..). للعلم، ومراعاة تسجيل ما يصرف على الحساب الشخصي لسمو رئيس مجلس الوزراء وإرفاق صورة عن برقية الوزارة بأمر الصرف، علما بأن الوزارة خاطبت بنك الكويت المركزي لتحويل ما يعادل مبلغ .. وهناك ثالثا إقرار صريح صدر من قبل وزير الخارجية بالوكالة آنذاك علي الراشد يقر فيه بواقعة تحويل الأموال، ويضيف إليها الإقرار بأن المبالغ كانت تستخدم للحساب الشخصي لرئيس مجلس الوزراء السابق وذلك من خلال إقراره بأن الرئيس السابق أعاد جميع المبالغ التي تم تحويلها. وبالطبع، لو كانت المبالغ المحولة قد صرفت في أوجه إنفاق عامة، أي لحساب الدولة وقضاء مصالح الدولة، لما أعادها الرئيس السابق لخزينة الدولة.
وبالعودة إلى صحيفة الاستجواب الأخير يتبين أنها تصلح في حد ذاتها كأساس لتحريك الدعوى الجزائية، إذ ورد فيها: « وحيث إن أوامر تحويل المبالغ المالية لحساب رئيس مجلس الوزراء إنما صدرت من قبل سمو رئيس مجلس الوزراء، كما ورد في المراسلات الرسمية، الممهورة بتوقيع الوكيل المساعد للشؤون المالية في ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء السيد خالد عبدالسلام البناي وغيره من الموظفين، وتم تنفيذ تلك الأوامر بناء على تعليمات سمو رئيس مجلس الوزراء إلى كل من وزارة الخارجية وبنك الكويت المركزي، بما مؤداه أن هذا الاستجواب يقع ضمن الحدود الدستورية ويتوافق مع الضوابط الدستورية للاستجوابات بحسبان أن أوامر تحويل المبالغ هي أعمال قـــام بهــا رئـيس مجلــس الوزراء شخصيــــا وصدرت منه بإجراء التحويلات، وتم تنفيذها من خلال الموظفين التابعين له والعاملين في ديوانه وفي كل من وزارة الخارجية وبنك الكويت المركزي، وحيث إن هذه الأوامر ليست من اختصاص أي وزارة بعينها، وهي ليست من أعمال أي وزير، بل أنها في واقعها وحقيقتها، مجرد أعمال مادية مخالفة للقوانين صدرت من سمو رئيس مجلس الوزراء، تشكل اعتداء مباشرا وصريحا وصارخا على المال العام الذي كلفه المشرع الدستوري بمسؤولية المحافظة عليه»، ويضيف الاستجواب: «وبالتالي فإن مسؤولية رئيس مجلس الوزراء السياسية تكون قائمة ومتحققة، فضلا عن مسؤوليته الجنائية هو وكل من شارك في تنفيذ أوامر التحويل مما يستدعي مساءلته بخصوص تلك التحويلات».
إن البلاغ إلى النيابة العامة في شأن فضيحة «التحويلات» سوف يكون بلاغاً تاريخياً حتما!
أضف تعليق