البدون.. في قافلة الانتخابات
عبدالله بشارة
تداخلت قضية البدون مع ملفات وطنية ملحة ودائمة السخونة وتوجد في كل مناسبة انتخابية مثل اجراء ترشيحات سرية في سراديب الدواوين، أو علنية في صالونات مفتوحة مع حضور اعلامي يغطي وأنوار تلمع وأحاديث تتواصل.
هذه الملفات القديمة الدائمة الحضور معروفة لنا، أبرزها الشكوى من غياب برنامج عمل واضح وواقعي تقدمه الحكومة، وشبهات تتراكم حول الفساد وانفتاح شوارع الفساد باتساع رهيب، مع تطور أدواته في التنفيذ، ومكننة آلياته من أجل الهروب من مطاردة الخصوم من مراقبين أو من جمعيات أو مؤسسات حكومية، وغير ذلك من ملفات عن مخاطر العصبيات والطائفية، والخوف من بروز كتائب المدافعين عن الراشين والمرتشين وتسخير اعلامهم للدفاع عن البهتان مع ادعاء البراءة والنظافة.
الموسم الانتخابي الحالي يتميز بمرافقة تطورات ما كانت تتوافر في الماضي، نلاحظ ثورات شعوب عربية باصرار على حق المشاركة وحقوق المواطنة، وصون الكرامة وتحدي السلطات مع نفور من الاستكانة والتصدي لارهاب الحكومات واجهاض أسالبيها في التعتيم ولجوئها الى البطش لاسكات الشعوب.
وبالطبع فان نسيم الحرية الذي يهب من الشمال لابد ان يصل الى بيوتنا في الخليج مع قدرة اعلامية حديثة وصلبة جاءت من تكنولوجيا الميديا وسلطت أضوائها على الهموم البارزة في كل المجتمعات العربية.
في هذه الأجواء يبرز ملف البدون محمولا على أكتاف مجموعات البدون، عارضين حالهم أمام الاعلام العالمي الملاحق لقضاياهم، مع توقعاتهم بأن يرفع المرشحون يافطات همومهم في حملاتهم الانتخابية.
شاهدت مقابلات يجريها صحافيون أجانب عن أحوال البدون في الكويت مع اجابات مملوءة بالمآسي واليأس وضياع العمر.
وظهرت شطارة البدون في استفادتهم من اعلام دولي يريد المعرفة، وواقع اقليمي يتجدد ويخرج من يأس الماضي، ووضع داخلي يتغير مع قوافل المرشحين تحمل معها ملفات الانتخابات وبرامج عمل يقدمها المرشحون للرأي العام، وصارت قضايا البدون أبرز موضوعات هذه البرامج.
والبدون ليست صناعة كويتية فقط، وانما هي واقع في كل الدول الجاذبة ومنها دول الخليج، وتطفو في أجواء الكويت لأن البلد مفتوح في نظام سياسي مرن وحرية اعلام تنقب وترصد وتواجه في أسئلة تحمل الحكومة مسؤولية هذه القضية التي كان يجب ان تطويها الكويت منذ مدة عندما كانت أيسر حلا، وأسهل تعاملا، لكننا نعرف وضع الكويت في رخاوة القرار وبطء الخطوات وتأجيل الحسم.
وأعتقد ان الموضوع بدأ يأخذ مسارا واضحا لشكل الحل الجماعي بعد ان تابعنا لقاء السيد صالح الفضالة، رئيس الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، حيث أشار الى ان الحكومة ستبدأ اجراءات تجنيس نحو 34 ألف شخص من أصحاب احصاء 1965، ومن أقارب الكويتيين، ومن أصحاب الخدمات الجليلة البارزة.
ونشعر من مقابلة رئيس الجهاز المختص بأن هناك حزما قويا على اغلاق هذا الملف المزعج، كما أشار السيد صالح الفضالة إلا ان هناك بعض الحقائق لابد من مراعاتها عند التعامل مع هذا الملف الشائك، وهنا لدي ملاحظات أهمها: أولا – نحن نتفق على ان اجراءات الداخلية مهما صعدت ومهما ابتكرت من اجراءات صارمة ومن حلول قسرية ومن تطويقات أمنية فانها لن تتمكن من حل هذه العقدة الحساسة التي تحتاج الى نوع آخر من العلاج، ليست بالعصا وليست بالتطويق ولا بالتجاهل أوالاهمال، وانما بالتعبئة الشعبية العامة للخروج بحلول مناسبة وواقعية ليست بالتعسف وانما بالتعقل.
ثانيا – لن تفيد مظاهرات البدون وتجمعاتهم في انهاء الملف، فالمناوشات والاحتكاكات والعراك ليست من الأساليب المناسبة وانما الحكمة تفرض خيار أسلوب التواصل في اقناع الجهاز الرسمي بحق التجنيس، بهدوء وبالوثائق، وبمنطق القانون، بعيدا عن المظاهرات وبمنأى عن التشابك مع رجال الأمن والشرطة.
ثالثا – لابد من تأكيد حقائق أمن الكويت الوطني في معالجة هذا الملف بحيث يتم توصيل الحق الى أصحابه المستحقين، الذين عانوا طوال هذا الزمن، مع تدقيق في خلفيات المدعين، لأن الملف له جاذبية خاصة في دولة يتمتع مواطنوها بامتيازات مبهرة دون مسؤوليات، وأظن ان الداخلية والجهاز الخاص لديها الكثير من الحقائق التي تمكنها من تفنيد الادعاءات مع تأكيد تثبيت المستحقين، وهذه عملية ترشيد وترشيق تتطلب العمل بضمير يراعي المصالح العليا للدولة ولأصحاب الحق.
رابعا – يشكل البدون حوضا استراتيجيا فيه الكثير من الطاقات والكفاءات وتخصصات ومواهب في مختلف المجالات لابد من الاستفادة منها وتوظيف هذه المواهب لمصلحة الكويت، مع ابراز أهمية أصحاب التخصصات والحاقهم ببرامج الكويت التنموية المختلفة، وليس من الحكمة انتداب آخرين والاستعانة بهم من دول مختلفة بعيدة، بينما تعيش في الكويت مجموعات تسد النقص وتفيد البلد وتخرجه من احراجات سياسية وانسانية، وتمده بالخبرات اللازمة. يوجد أطباء بدون في كندا واستراليا وآخرون من المفيد الحفاظ عليهم كعاملين في مجالات تريدها الكويت، والعمل على احتضانهم في صيغة تجعل الكويت تستفيد من هذه الخبرات.
خامسا – أشار السيد صالح الفضالة، في احصائيته التي قدمها في مقابلته مع تلفزيون الكويت الى أعداد من دول مجلس التعاون منهم أكثر من 16 ألف سعودي، وسبعمائة عماني، وثلاثمائة بحريني، وأكثر من مائة اماراتي وثلاثين قطريا.
ووفق قرارات مجلس التعاون يحق لهؤلاء المواطنين من الدول الأخرى البقاء في الكويت والعمل فيها والاستمتاع بامتيازات المواطن، ما عدا بعض المواقع المحصورة في حق المواطنة مثل قيادات الأمن والجيش والمناصب العليا في الوزارات.
ويستغرب القراء من وجود أبناء مجلس التعاون في ملف البدون، وأتصور سهولة تجاوز ملف البدون الخليجيين بتأكيد قرارات مجلس التعاون، وتسهيل اجراءات تحويلهم من بدون الى مواطنين خليجيين.
وهناك مقترحات بناءة، لتجاوز الملفات الأخرى التي لا تنطبق عليها شروط التجنيس بمنح الاقامة مع قانونية البقاء وفق الوثيقة الأساسية، كما جاء في شرح رئيس الجهاز المسؤول.
سادسا – لا مجادلة بأن خطوات الجهاز المركزي بطيئة ولا ترضي المطالبين، والمطلوب تسريع هذه الخطوات ودعم الجهاز في تجاوز العقبات لكي يتحقق النجاح المطلوب، وفي هذا الاطار تأتي حملة المرشحين منسجمة مع هذه الجهود لإنهاء هذا الملف مع ضرورة التزام تثمين مسؤوليات الجهاز وجهود العاملين فيهم، ودعم توجهاتهم، وتقدير العبء الذي يتحملونه، وليس من المنطق الخروج عن الاطار القانوني الذي شيدته الدولة لحل المشكلة بتقديم خيارات قد تضعف المسار الذي تبناه الجهاز والذي سيبدأ في تفعيل عمله قريبا.
سابعا – لابد من الاعتراف بأن خروج الكويت من هذا المأزق المحرج يفرض تعاون مجلس الأمة القادم مع الحكومة ومع جهازها المتخصص، ليكون مشروع الحل مشروعا وطنيا، مدعوما من الجهتين، ومقبولا لدى الرأي العام، ومنصفا للبدون المستحقين، بدون مزايدات وبدون توسلات النواب للمكاسب البرلمانية الشعبوية.
ولهذا فان مصلحة الكويت تتطلب ان يكون جهد المرشحين محركا للاسراع في الانجاز، دون المزيد من الارباك، أوتعقيدات يستحيل فكها، فالعبرة هنا بنصرة المظلوم وليس تأخير الفرج.
ويمكن ان تتحرك هيئات النفع العام ويساهم الاعلام بتوظيف الطاقات في التعاون مع الجهاز المختص لخلق مناخ يسهل تمرير الحلول التي يتوصل اليها المختصون، فالمأمورية ليست سهلة، لاسيما ان الشعور بالمظلومية يدفع بالناس للتوجه نحو الاضطراب والفوضى.
ومهما عملت الكويت ومهما تفتقت المواهب وتفجرت سيول الوحي، فلن تتوصل الكويت، سواء عبر مجلسها القادم أو عبر جهازها المختص الى حل يرضي الجميع ويسعد كل المتظاهرين الذين خرجوا مطالبين وآملين، فهناك واقع تحمله الاحصائيات يصعب فيه توفير العلاج الذي يسعد الجميع.
والمهم الآن ان تتحرك آلية الحلول بسرعة وبزخم وبشجاعة تطوي هذا الفصل الثقيل..
أضف تعليق