سبر القوافي

قراءة في أبيات ( عنترة)..!

يا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي
                       وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي
من الظلم، اعتبار الوقوف بالأطلال تقليدية نسج فهنا عنترة.. في بيت غارق بالوجدانية حدّ الثمالة، يطلب من الأرض التكلّم، تخيّلوا أن تتوقف للحديث مع حبّات الرمل، الأبواب القديمة، العشب، عصافير الدور.. ثمّ الانتقال بالسلام على الأرض لفرط الشوق والفقد.. إحساس عظيم بالفقد، من الظلم إلغاؤه، فالشعر ما حرّك الشعور، كيفما كان نسجه..
أَثْنِـي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِـي
سَمْـحٌ مُخَالقَتي إِذَا لم أُظْلَـمِ
وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ
مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ
يحتاج كل إنسان صادق لمن يقدّر صنيعه، هنا لا يريد أكثر من الثناء بما علمت، لا يريد منها ما يريده شعراء هذا الزمن من الثناء بغير فعل والتبجيل لحروف متهالكة، فقط بما علمتِ منّي، ولأنها ليست بالحاضرة إلا روحاً، كان الانتقال الأجمل لوصف هذا الثناء الذي يريده، سمحٍ مخالقتي.. بسيط ومتجاوز.. وإن ظلمت فإنّي كطعم العلقم مرُ مذاقه، وهنا أخلاق الفارس ومروءته، فحسن المعشر وبساطة الروح سمة، وقوّة القلب وكبرياء النفس حاضرة لموازنة الرؤية.
ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ
من أجمل القناعات التي يجب عدم تجاوزها، فكون الإنسان كريماً والكرم هنا بكل معانيه سواء من كرم روح أو كرم نسب أو كرم يد، ليس بمنأى عن العداء، فالقناعات والرؤى واختلافها لا يعني أنّ أسفه الآخر وأنتقصه، أحفظ له مقامه في أشد حالات العداء، وهذا ما نفتقده في كل معاركنا سواء الأدبية أو السياسية أو أياً كانت.
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ
منّي وبيض الهند تقطر من دمِ

فوددت تقبيل السيوف لانها
لمعت كبارق ثغرك المبتسم
مشهد سينمائي وتصوير احترافي قلّ من يستطيعه.. قد يتذكر الحبيب حبيبه في لحظات شوق أو عند طلل أو لأغنية أثارت شجنه.. لكن الذكرى هنا متجاوزة جداً، ففي أشدّ اللحظات وأكثرها وجوباً للحضور الذهني، يحلّق هذا العاشق؛ ليتذكر ثغر معشوقته فيودّ تقبيل السيوف؛ لأنها تشبه ثغرها.. من الصعب كتابة هذه اللحظة بهذا الإبهار، وهنا يكون الشاعر الحقيقي حاضراً بروحه.
كلام في الشعر..
ورؤية لما قلّدوه رداء القديم ولم يتجاوزوه في جديدهم..
اكتبوا الشعر يا سادة بدون تصنيفه، فلا حداثته أحدثت فرقاً ولا قديمة تقادم عهداً..
هو الشعر لا يعترف بالوقت..
فقط من يستطيع حفر نبضه سيبقى..
نواف التركي