أقلامهم

بدرية البشر مودعة العام 2011: قلوبنا هشة وذكرياتنا لاتحمل سوى صور الحرب

ماجانا يكفينا هذا العام


بدرية البشر


وعدت بلدية ريو دي جانيرو بأنها ستطلق 84 طناً من الأسهم النارية في 16 دقيقة في حفل استقبال عام جديد يضم مليوني شخص، هذا في دي جانيرو فقط، فما بالك في باريس ولندن ونيويورك، وباقي عواصم الدنيا التي تنتظر هذه الليلة كي تفزع سكون الليل وتشعله بالمفرقعات النارية، أما نحن العرب فإن آخر ما نحتاج إليه هذا العام هو أن نختمه بالمفرقعات، فقد عشنا عاماً مفرقعاته منه وفيه. منذ مطلعه وحتى نهايته امتلأ بالمفرقعات والدخان والغاز والأسهم النارية على شكل رصاص مطاط وحي فقئت العيون واخترقت الرئات حتى صار الحلم بليل ساكن ويوم هادئ هو حلمنا آخر ليلة في هذا العام. وضحكنا فيه كثيراً حتى دمعت أعيننا، لكن على نكات إسقاط النظام. وسمعنا الأغاني لكن على الثورات، وتفرجنا على رقصة الدبكة لكن في حمص وحماة وباباعمرو، لقد كانت سنة صاخبة زاخرة بكل شيء، لهذا فإن آخر ما نحتاج إليه هذا العام أن يفرقع أحد فوق رؤوسنا مزيداً من المفرقعات، فما جانا يكفينا هذا العام.
ولأنني أعرف كم هو إعلامنا نكد، فإن آخر ما تتوقعونه منه هو أن تهنأوا بوداع هذا العام، وباستقبال العام الجديد، فإن كنتم نسيتم ماذا حاق بالعرب في ثوراتهم من عنف وقتل وترويع فإن شاشات تلفزيوننا قد أعدت لكم ما سيهيض هذا الماضي، وسيذكركم بكل دقيقة مرعبة مرت فيه. ستخرج لكم مليحة تبتسم، وهي تقول يسعدنا أن نشاهد معكم هذه الليلة ساعة من الآلام العربية، ولأننا مهووسون بالفرجة على الآلام، والتجار يعرفون هذا فإنهم سيشترون وقت الإعلانات التجارية ليعرضوا بضائعهم الفاخرة وسط هذه الآلام فتصبح فقرة الإعلانات هي الفقرة المفضلة لدى نسائنا وأطفالنا لأنها كذب أبيض جميل.
هل لهذا السبب نستعير مواقيت الغرب لنفرح، ولهذا السبب نصبح أكثر عرضة للتأثر باحتفالاتهم فصار لدينا عيد رأس السنة وعيد فلانتين؟
في مثل هذا اليوم الذي يوافق آخر يوم في السنة العجيبة التي انتصبت في عيوننا، وفي تاريخنا مثل سيفين بتارين يذبحان ويسلخان، أحاول أن أبتعد عن نكء المواجع، لأتمنى لكم سنة سعيدة، جديدة، ووفق ما يقوله خبراء كتاب السر الشهير إن ما تفكر فيه هو ما تحصل عليه، إن كان سلباً أو إيجاباً، وهذا يتفق أيضاً مع ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله”، فأحسنوا الظن بالله، لهذا ووفق قانون الظن الحسن، وقانون الجذب دعونا نتمن أن يكون عامنا المقبل عاماً مشرعاً نحو آفاق العدالة والحرية والمساواة، عاماً يفوز فيه الإنسان بعقله ومحبته، لا بجهله وكراهيته، عاماً يدفع بما مضى ليصبح وقوداً تم دفعه في مسيرة التقدم والنماء. وآخر أمنياتي أن يتم اختراع مفرقعات نارية بلا أصوات لاحتفالات رأس السنة، فإن كان ولا بد أن تسحرنا بألوانها فعلى الأقل أن تكف عن ترويعنا بأصواتها، فقلوبنا هشة، وذاكرتنا ليس فيها سوى صور الحرب. عاماً سعيداً، عاماً جديداً، وكل عام وأنتم بخير.