آراؤهم

كل عام وأنتم شركاء الوطن

متى سيدرك أصحاب الفكر الجامد المتطرف أنهم بتطرفهم وتزمتهم، يقدمون صورة مغلوطة ومنفرة عن الإسلام، تساهم في ازدياد حالة الكراهية واستعداء المسلمين حول العالم؟! متي سيدرك هؤلاء أنهم يساهموا في الإساءة إلى دين جوهرة الرحمة ولغته الإنسانية.. متي سيظل الانشغال بقشور الفتاوى و توافه الأمور والتمسك بالفروع وترك الأصول أسلوباً ومنهجاً يتبعه هؤلاء؟!
هل تحتاج مبادلة مشاعر الفرح والرحمة والمودة والمشاركة الوجدانية من الإنسان لأخية الإنسان إلى فتوى؟! هل هناك في القانون الإنساني ما ينص علي أن تكون مشاعر المودة مقصورة فقط بين ذوي الديانة والمعتقد الواحد؟! هل توجد آية قرآنية تدعو المسلم إلى عدم مشاركة غير المسلمين مشاعرهم سواء فرح أو حزن؟! هل يوجد نص حديث نبوي شريف صحيح يحض المسلم على عدم تبادل التهنئة والكلمة الطيبة مع من هم يتبعون ملة غير الإسلام؟!
فلو كان الأمر كذلك والإسلام يمنعنا من مشاركة أهل الكتاب مشاعرهم ومناسباتهم لكان أشرف الخلق وسيد ولد آدم سيدنا محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- هو أحرص البشر علي ذلك، ولكن حاشا بإسلامنا عن هذه الأفكار المتطرفة، فلنا في الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام القدوة والمثل، نبي الرحمة والإنسانية يذهب لزيارة جاره اليهودي، وهو مريض، ويدعو له رغم ما لحق الحبيب المصطفى من أذىً على يد هذا اليهودي، ولم يقل الحبيب المصطفي – صلوات الله عليه- لن أفعل ذلك؛ لأنه علي غير ديني وعقيدتي!!!
تصريحات مفخخة تدس السم في العسل، أطلقها بعضًا من أصحاب الفكر المتشدد، تحرِّم تهنئة الأقباط بأعيادهم، معللين ذلك باختلاف العقيدة! تصريحات لامحل لها من الإعراب جاءت في وقت بالغ الخطورة والحساسية، تصريحات تحرض علي الطائفية وتؤجج نار الكراهية والحقد بين عنصري الشعب، تصريحات خالية من الحكمة ضد مصلحة الوطن فهل عبارة (( كل عام وأنتم بخير)) التي سيقولها المصري المسلم الي المصري المسيحي بها شيء يتنافي مع الاسلام؟! هل هذه العبارة ستدخل المسلم النار؟!
نراها بداية غير مبشرة تنذر بمصادمات قد تحدث في المستقبل القريب، إذا استمر استخدام المتشددين لغة التصريحات غير المسؤولة البعيدة عن الحكمة والعقلانية ضاربين بمصلحة الوطن عرض الحائط فالمنهج المتشدد للإسلاميين يقابلها حساسية مفرطة وشعور بالقلق لدي المسيحيين ولن ينزع فتيل الطائفية و يخمد نار الفتنة سوى وسطية الإسلام.
فمصر الآن أحوج ما تكون إلى مواجهة الفكر المتشدد المتطرف مصر بحاجة الي اصحاب العقل والحكمة يعبرون عن صورة الاسلام الحقيقية ولغته الإنسانية يظهرون الإسلام بدون غلو أو تشدد وبدون تفريط أيضا، نحتاج من يطبق قول المولى عز وجل (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) البقرة الآية143.
فمن المفترض أن يكون الإسلاميون أحرص الناس على لم الشمل وإخماد نار الفتنة لا تأجيجها وتقديم صورة مشرفة لتعليم الإسلام، لا تقديم صورة سلبية، فمن حق هؤلاء ألا يقدموا التهنئة للأخوة المسيحيين فهذه حرية شخصية، ولكن ليس من حقهم إطلاق تصريحات من شأنها تدمير العلاقة بين عنصري الأمة وتحض علي الكراهية والنفور بينهم وتعكر صفو السلام المجتمعي وتدخل البلاد في لغط وبلبلة حول قضايا تافهة ليس لها فائدة ولكن اضرارها تقضي علي الاخضر واليابس!
والغريب أنه في الوقت الذي أطلق هؤلاء تصريحاتهم المفخخة والرافضة لتقبل شركاء الأمة، أو تقديم التهنئة لهم. نجدهم وفي نفس اللحظة يطلقون تصريحًا آخر يتناقض مع موقفهم، ولكنه تصريح للشو الإعلامي، ولكسر حدة تصريحهم الأول. في هذا التصريح يقولون بأنهم سيشكلوا لجان لحماية الكنائس أثناء الأعياد؟!!
ليت يدرك أصحاب الفكر المتشدد والغلو في الدين أن الأخوة المسيحيين، ليسوا في حاجة إلى حمايتكم، بل المسيحيين في حاجة إلى مشاعركم وحسن نواياكم وإرسال رسائل تطمئنهم علي مستقبلهم. المسيحيين ليسوا في حاجة إلى أن يقف البعض منكم أمام الكنائس؛ لحمايتها، ولكن هم في حاجة الي مد جسور الثقة وتشابك الأيادي والعمل بإخلاص من أجل إيجاد حوار مشترك، ونقطة تلاقٍ، وعيشة آمنه للجميع مسلمين ومسيحيين بدون خلاف واختلاف، فإن حدث ذلك، لن تكون هناك حاجة إلى حماية الكنائس أو المساجد!!
فلكل مسيحي يعيش علي أرض مصرنا الحبيبة أقول:
كل عام وأنتم شركاء الوطن… كل عام ونحن مسلمون ومسيحيون، نتقاسم الهواء والماء والمصير المشترك…. كل عام ونحن نرتقي بالوطن المفدى فوق التطرف والتشدد والخلافات وحساسية المعتقدات…. كل عام ومصر حضن دافئ يضم عنصري الشعب….. كل عام وأنتم لنا الأهل، ونحن لكم السند والعزة….. كل عام وأنتم مطمئنون سالمون في وطنكم مصر.. كل عااااااااااااااااااااااااام ومصر الغالية بكل الخير…. اللهم حقق فينا قول الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام: “إن أهل مصر في رباط إلى يوم الدين”.
حفظ الله مصر وحفظ شعبها العظيم ورد كيد الكائدين إلى نحورهم.

أوعاد الدسوقي
كاتبة وإعلامية
awaad99@gmail.com