أقلامهم

فيصل الزامل يكتب: خالد رضي الله عنه.. والقبلية.. وهرمز!

 خالد رضي الله عنه.. والقبلية.. وهرمز!
فيصل الزامل


استخدم خالد بن الوليد رضي الله عنه الروح القبلية في الاتجاه المعاكس للعصبية المذمومة في حروب الردة حيث انهزم جيشه في اليوم الأول للمعارك مع مسيلمة الكذاب، فعقد اجتماعا في تلك الليلة وقال للقادة: «غدا نعرف من أين نُؤتى» ثم وزع القبائل، الميمنة لقبيلة تميم والميسرة لقبيلة هوازن والمقدمة لأسد، وهكذا في سائر مواقع القتال، فأخذت كل قبيلة موقعها والتحق الناس براياتهم، وصار انكشاف اي من تلك المواقع سبة على جبين القبيلة ان حدث، وأعطاهم كلمة السر التي يتعارف بها الجند فلا يقتل المسلم المسلم، قال خالد: «نداؤكم غدا هو: يا محمداه» فاستبسلت كل قبيلة وتفانى الجند في القتال وظهرت بطولات نادرة حتى تحقق النصر المظفر على جيش مسيلمة الكذاب، هذه واحدة من عبقريات خالد في الجهاد، والذي كان خوض المعارك أحب شيء الى نفسه من اي شيء آخر، حتى اقسم قائلا: «والله لليلة باردة، شديدة الجليد، انا فيها في كتيبة من المهاجرين أسير فيها على جوادي أحب إلي من ليلة عرس»، هكذا هي طبيعته منذ ان أرسله والده (الوليد) وهو صبي الى الصحراء فأظهر نبوغا في الفروسية وعرف بالإقدام والصبر عند اللقاء، كان طويلا بائن الطول عظيم الجسم والهامة يميل الى البياض، كث اللحية، شديد الشبه بعمر بن الخطاب حتى ان ضعاف النظر كانوا يخلطون بينهما.
بعد اليمامة امره الخليفة ان يدرك المثنى في العراق، وعندما اصطف جيشهما امام جيش فارس طلب قائدهم «هرمز» مبارزة خالد، وكان قد دبر له كمينا ليقتله ليفت في عضد المسلمين، وظن ان خالدا انما هو أمير، فوجده مقاتلا مجربا، قتله خالد بلمح البصر فأسرع القعقاع بن عمرو في كتيبة لإنقاذ خالد من المفرزة التي تحركت ولكن انهاء خالد المعركة بسرعة فاجأها، ثم نشب القتال فانهزم الفرس.


شخصية خالد بن الوليد رضي الله عنه معروفة، الا ان التذكير بتلك الصفات وإنعاش الذاكرة أمر هام حتى لا تتحول سيرته الى غيمة باهتة في الذاكرة، ولتصبح تلك السيرة شمعة متوهجة في وجدان الأجيال، أليست أوروبا تفاخر بهرقل وتردد سائر الأمم سير أبطالها لتحريك همم الأجيال وزرع صفات النخوة والمروءة فيهم؟ خالد وأمثاله أولى بترديد سيرتهم التي ارتكزت على الاقتناع في قبول الاسلام، فقد كان خالد يمشي خارج مكة وهو يردد ما يبلغه من القرآن الكريم قبيل إسلامه، ويرفع رأسه الى السماء قائلا: «اللهم فهمنيها، اللهم اشرح صدري لهذا القرآن».. فاستجابت السماء، وارتحل الى المدينة ومعه عمرو بن العاص، فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رمتكم مكة بأفلاذ كبدها» ودعا له النبي بعد ان شهد شهادة الحق «اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما اوضع فيه من صد عن سبيلك».


أدركت خالدا المنية في حمص بالشام بعد مائة معركة لم يهزم في واحدة منها قط، رثته أمه العصماء ـ أخت زوجة العباس رضي الله عنه، ام الفضل ـ فقالت: «يرحمك الله، أشجع من ليث غضنفر يذود عن جيش من الرجال، وأجود من سيل غامر يسيل بين الجبال»، وقال عنه بعض الصحابة: «الرجل الذي لا ينام، ولا يترك أحدا ينام».


التحق بالجهاد بعد فترة قصيرة من إسلامه، وعندما أمّ الجنود في الصلاة قرأ قصار السور، واعتذر عن عدم حفظه القرآن قائلا: «شغلني الجهاد» وفي السنتين الأخيرتين من عمره فرّغ نفسه لحفظ كتاب الله، وقال: «أستحي ان ألقى الله ولم أحفظ كتابه»، وعندما عزله عمر رضي الله عنه خطب الناس قائلا: «أما انني لم اعزل ابا سليمان عن خيانة، ولكني أردت ان يعلم الناس انما ينصرون برب خالد، وألا يفتنوا به»، كان عمر يريد العشرات من أمثال خالد، فالجبهات كثيرة، لهذا كنت تراه ينتقي الرجل من غمار الناس فيجول به جولة او جولتين، فإذا به قائد فذ لا يشق له غبار، صناعة القادة من ابرز صفات الفاروق الذي أراد ان تكون في دولته مدرسة تخرج قادة، ولا تعتمد على بطل أسطوري واحد، تتوقف الدولة عند النقطة التي وصل إليها، عند وفاته.