أقلامهم

جاسم بودي: احترام الشباب من قبل المرشحين لا يكون بالوعود الفارغة التي ملّوا سماعها

 شباب التغيير ليسوا ورقة انتخابية


جاسم بودي


كلهم باتوا يتحدثون اليوم عن الشباب في برامجهم الانتخابية. يدّعون أنهم كانوا الأحرص على نقل مطالبهم. يؤكدون أنهم سيحققون طموحاتهم… وشباب التغيير في وادٍ آخر، يضعون ميثاقا لتحركهم يتمنون أن يشكل سقفا يلتزم به المرشحون كي لا تتكرر تجربة الوعود الفارغة.
في الميثاق الذي توّجه الشباب بمقدمة تتحدث عن «عقول واعية مستنيرة» وعن «قلوب محبة مطمئنة» نقاط كثيرة كفيلة بإطلاق حوار وطني واسع لتحقيق إجماع عليها أو تعديلها، خصوصا تلك المتعلقة بالتغييرات الدستورية واللوائح المنظمة وتطوير الحياة السياسية. وفيه نقاط كثيرة أيضا لا تحتاج لا إلى حوار وطني ولا إلى نقاش بل إلى التشمير عن السواعد وشبك الايادي مع الشباب من اجل تحقيقها خصوصا تلك المتعلقة بتطوير المرافق العامة التعليمية والصحية والخدماتية والرياضية وتطهير المؤسسة الامنية من الشوائب، فلا يعقل أن يرى شباب الكويت انهم في دولة أنعم الله عليها ما أنعم من خيرات ومداخيل وما زالت حتى الآن ترسل مريضا يعاني من آلام عادية للعلاج في الخارج أو تبقي مئات الطلبة الجامعيين خارج الفصول لان لا أماكن لهم.
إن ما تعانيه الكويت من تردٍ للخدمات العامة كما ورد في ميثاق الشباب لا يمكن وصفه إلا بالفضيحة، والفضيحة الكبرى أن رموز السياسة عندنا يشعلون النار في كل اتجاه إذا تعلّق الأمر بشؤون لا تمس مباشرة مصالح الناس في التربية والتعليم والصحة والخدمات وغيرها. هم لا يتجاهلون ضرورة ايجاد حلول لها إلا ان تحركاتهم تبقى خجولة اذا ما قورنت بتحركاتهم تجاه قضايا اخرى، والدليل ان طلابنا لا يجدون مقعدا دراسيا لان مشاريع الجامعة محجوزة في الادراج منذ عقود، ومرضانا لا يجدون سريرا لان الخطط الصحية للتوسع بالمباني والكفاءات تتجاور ايضا في الادراج نفسها مع جامعة الشدادية، وبريدنا لم يصل ولن يصل لان أحدا لا يريد ان يعالج هذه المأساة… لكن رسالة شباب التغيير ستصل هذه المرة كونهم أدركوا أنهم ليسوا سعاة بريد للقوى والرموز يحتلون الساحات لأجندات الآخرين بل هم من سيتولى بإذن الله متابعة وملاحقة فضائح الخدمات العامة في مختلف القطاعات كونها تمس مصالح أسرهم مباشرة ومصالح أبنائهم مستقبلا.
وفي الميثاق نقاط مرحلية ظرفية راهنة ملحة تتعلق بالاستحقاق الانتخابي، اهمها رفض تدخل السلطة والزامها بالحياد ورفض تدخل أبناء الأسرة الحاكمة فيها بأي شكل من الاشكال. اي بمعنى أدق، أدرك الشباب أن صراعات أبناء الأسرة وتصفية الحسابات بين بعضهم البعض هي المصدر الاساسي لغالبية الازمات السياسية سواء حصلت هذه الصراعات مباشرة أو بالواسطة عن طريق الموالين من نواب ووسائل إعلام وكتاب، ولذلك فهم برفضهم تدخل هؤلاء في الانتخابات إنما يرفضون التأسيس للمحاور من بداية انطلاق عملية اختيار المواطنين لممثليهم.
كذلك أكد شباب التغيير أنهم لن يتراجعوا عن معركتهم ضد الانقسام الفئوي والقبلي والطائفي، ولن يتراجعوا عن محاربة الفرعيات وكل الجرائم الانتخابية، ولن يتراجعوا عن مبدأ الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية وتأمين فرص متساوية للمرشحين للتنافس الحر. وهنا لا بد من القول إن نجاح الشباب في تحقيق جزء كبير من العناصر التي وردت في ميثاقهم حول الانتخابات سيحقق بالتأكيد نقلة نوعية في الحياة السياسية الكويتية التي ستظهر قدرة الجيل الجديد على التصدي الواعي العقلاني لما زرعه غيرهم، فهم يحاربون اخطاء الجيل الذي سبقهم، والخطاب الطائفي المذهبي الفئوي الذي غذّاه وأشعله من سبقهم، والفساد الذي ورثوه ممن سبقهم ولم يتلوثوا به بعد… باختصار، اذا نجح الشباب في ذلك فهم سيكشفون الغطاء عن مسيرة طويلة من التزييف والخداع والتجارة السياسية مشاها أكثر من شخص في السلطة والموالاة والمعارضة.
احترام الشباب من قبل المرشحين لا يكون بالوعود الفارغة التي ملّوا سماعها بل باحترام آرائهم الواردة في ميثاقهم. يبقى ان على الشباب ان يتوقفوا ايضا عند كل ما حصل في الاشهر الماضية ليستخلصوا درسا كبيرا يكشف كم ان السياسة اقرب إلى المصالح من المبادئ، وكم هي الكويت بحاجة ماسة إلى شباب… وتغيير.