آراؤهم

الجمعة الدامية

يوم دام، أراده النظام السوري ليخضب أرض حي الميدان بدمشق.. الحي الذي كان في يوم من الأيام عصياً على الفرنسيين، يواجه آلتهم العسكرية الجهنمية بصدور أبنائه العارية، كما يفعل اليوم مع العصابة الحاكمة في دمشق، التي طغت وبغت وتجبرت واستهانت بدماء السوريين وتفننت في سفكها جهاراً نهاراً مستغبية عقول العرب، ساخرة من هذا العالم المتفرج على هذا المسلسل الدموي المجنون والعبثي، الذي يسيل من دماء أجساد السوريين منذ عشرة أشهر، دون أن يكون له أي تحرك جدي وفاعل في مواجهة هذه العصابة السفاحة، التي فاقت في جريمتها يوم أمس الجمعة 6 يناير ما حدث في الثلاثاء الدامي في باريس قبل 440 سنة، وما عرف بمذبحة ( سانت بارتيليمي) التي نفذها القتلة فجر يوم الثلاثاء بعدد من الفرنسيين المسالمين الرافضين لطغيان وظلم وجبروت حكام فرنسا آنذاك، وما أشبه ما حدث في حي الميدان بدمشق بما حدث في سانت بارتيليمي بباريس بالأمس.. فالضحية مواطنون مسالمون والقاتل سفاح باغي متسلط.
خرج الناس بعشرات الألوف في جميع المدن والبلدان والقرى السورية في جمعة أمس، التي سموها (جمعة إن تنصروا الله ينصركم-التدويل مطلبنا)، يريدون النصر من الله في مواجهة هذا النظام السادي الذي لا يرتوي من شلالات الدماء، التي يفجرها على مدار الساعة في كل سورية، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، فنجيع هذه الدماء يسيل لها لعاب هذا الغول المتوحش القادم إلينا من كهوف برابرة العهود الغابرة، يقود عصابة من آكلي لحوم البشر التي استقدمها من مجاهل غابات قم والضاحية الجنوبية، التي فاقت الضباع الجائعة والذئاب الكاسرة والكلاب المسعورة السائبة وحشية وهمجية.
خرج هؤلاء الفتية يوم أمس الجمعة بصدورهم العارية كعادتهم في كل يوم منذ عشرة أشهر بلا كلل أو ملل أو خوف من مصير ارتضوه ثمناً للحرية التي يريدون انتزاعها من هذا النظام الباغي، وقد حملوا أرواحهم على أكفهم متسابقين إلى الجنة بالملايين، لبسوا الأكفان بكل الألوان بعد أن عزَّ بياضها وفُقد، ليقولوا للعالم أجمع: تفرج واصمت ما شئت فلن نتراجع ولن تُفل عزيمتنا أو تخور إرادتنا فإنا ماضون في طريق العزة والكبرياء والشموخ حتى الفوز بإحدى الحسنيين (الشهادة أو النصر).
خرجوا تحت شعار (التدويل مطلبنا) بعد هذا الإخفاق المريع لجامعة الدول العربية ومراقبيها الذين كانوا (أخيلة مآتى) لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون إلا ما يريده فرعون الشام الصغير وهاماناته، وقد وضعهم في متاهات ونسج لهم الأحاجي وفبرك لهم الأحداث وقادهم حيث يريد ومنع عنهم ما لا يريد، بعيداً عن رصد عين الحقيقة في غياب إعلام مستقل ومهني محايد، ضارباً عرض الحائط بكل بنود وشروط المبادرة العربية التي قبلها والبروتوكول المرفق للمبادرة الذي وقعه، دون أن ينفذ ما عليه تنفيذه في تحد صارخ للعرب وجامعتهم واستهزاءاً بكل وزراء خارجيتهم الذين صاغوا المبادرة ووضعوا البروتوكول، دون أن يتمعر وجه أي وزير من هؤلاء الوزراء أونسمع منه كلمة حق في النظام السادي السوري، اللهم إلا من موقف شجاع تعودناه من دولة قطر بشخص رئيس وزرائها ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم الذي أعلن صراحة أن دمشق “لم تنفذ أياً من بنود البروتوكول الذي وقعت عليه ولم تلتزم بشروط المبادرة العربية التي وافقت عليها”، في حين أكد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في تصريحات يوم الاثنين الماضي “إن عمليات القتل لا تزال مستمرة في سوريا، وإن القناصة لا يزالون يهددون أرواح المدنيين”. ودعا إلى وضع حد لإطلاق النار. كما سلم العربي – على ضوء أحداث يوم الجمعة الدامية – رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل رسالة للسلطات السورية، تتضمن دعوة النظام في دمشق “لوقف العنف والعمل بشفافية ومصداقية”.
يوم غد الأحد 8 كانون الثاني سيعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً لاستعراض التقرير الذي سترفعه بعثة المراقبين العرب لمجريات الأحداث في سورية ومدى التزام دمشق بالمبادرة العربية التي وافقت عليها دون تحفظ والبروتوكول الذي وقعت عليه بعد قبول الجامعة للتحفظات والشروط التي أدخلتها دمشق على البروتوكول، في خطوة مريبة رفضتها المعارضة السورية بكل أطيافها.
المجلس الوطني السوري من جهته طالب الجامعة العربية بتحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن وقد عجزت الجامعة عن إيجاد حل لوقف شلال الدم المتصاعد، وأخفق المراقبون العرب في تمكينهم من نقل الحقائق التي تجري على الأرض لعدم تعاون السلطات الحاكمة في دمشق معهم، والتي تقيد تحركاتهم وتماطل في تقديم الخدمات اللوجستية لهم وتحول بينهم وبين الوصول إلى الأماكن الملتهبة، أو مقابلة المتظاهرين أو المنكوبين أو الجرحى أو النازحين أو المعتقلين، ممارسة التلاعب بأسماء المدن والبلدات والأحياء سخرية من هؤلاء المراقبين، مستغلة عدم معرفتهم بالمدن والبلدات والقرى والأحياء السورية وجهلهم بمواقعها الحقيقية.
أخيراً، ليس أمام الشعب السوري إلا الصبر والثبات والاعتماد على النفس في مواجهة هذا النظام السادي الباغي المجرم، وأن عليه وحده مسؤولية تفعيل هذه الثورة بإمكانياته الذاتية وابتكاراته الخلاقة التي عهدها العالم من الشعب السوري المبدع في السلم والحرب، وقد مر على الشام أحداث وأحداث وخرجت منها ظافرة منتصرة، ولن يكون هذا الفرعون الصغير عصياً عليها وقد حملت شعار (إن تنصروا الله ينصركم)، فنصر الله قادم.. وما النصر إلا صبر ساعة.