آراؤهم

الأسد الصغير صمت دهرًا ونطق كفرًا

وتكلم الأسد الصغير بعد صمت طويل، فكان كمن صمت دهراً ونطق كفراً.. تكلم على مدار ما يقرب من ساعتين في خطاب أجوف ومستنسخ عما اعتاد الحديث عنه، فكل ما قاله دار حول الإرهاب والعصابات المسلحة والمؤامرة الكونية التي تُحاك ضد نظامه وتستهدفه لأنه النظام المقاوم والممانع، وزاد عليه في خطابه هذا صفة (العروبي) كون هذا النظام يحكم دمشق، ودمشق هي قلب العروبة النابض كما قال جمال عبد الناصر، ونسي أو تناسى هذا الأسد الصغير أن ما قصده جمال عبد الناصر في مقولته ليس النظام الذي يحكم دمشق إنما الشعب السوري الحر الخلاق الذي كان بإبداعه وفكره وحضارته ومدنيته وثقافته جديراً بأن يجعل من دمشق قلب العروبة النابض وشريان حياتها وقائداً لمسيرتها.
لا أريد الخوض طويلاً في مفردات خطابه التي تصدى لتحليلها والتعليق عليها العشرات من المفكرين والكتاب والصحافيين والمهتمين بالشأن السوري، فقط أريد الحديث عن أسباب شتمه للعرب وفتحه النار على الجامعة العربية، وعلى دول الخليج وفضائياتها المضللة، وتشكيكه في عروبة الجميع، بحيث قطع كل الحبال التي تربطه بالعرب وبجامعتهم، حيث قال أن الجامعة العربية بإخراج دمشق منها لن تكون جامعة عربية، وهذا يعني أن الجامعة عندما تريد استئصال هذا الورم السرطاني من جسدها ستكون عليلة إلى الأبد كما زعم.
الأسد الصغير عندما يوجه كل هذا الحقد على العرب هو يعبر حقيقة عما يعتمل في نفسه وعن موروثه الذي يوجهه، فهذا الأسد الصغير ما هو إلا حفيد جد أبيه سليمان الوحش القادم من فارس بمهمة مشبوهة ليحط رحاله في الساحل السوري ويدعي أنه من شيعة علي رضي الله عنه ويندمج في الطائفة النصيرية منبتّاً لا أصل له ولا نسب، معتمداً على قوته الجسدية كمصارع تمكن من صرع العديدين ممن تحدّوه وفرض وجوده في بلدة قرداحة حتى أصبح أحد أعيانها، واحتُلت سورية من قبل الفرنسيين وكان هؤلاء بحاجة إلى عملاء يتعاونون معهم فكان أول المتعاونين، وكرمته فرنسا بأن غيرت لقبه من وحش إلى أسد وجعلت منه عيناً من أعيان الجبل، ولم ينس هذا الوحش فضل فرنسا عليه فتقدم مع لفيف من أمثاله العملاء في كتاب شهير يطالب فرنسا بالبقاء في سورية لحماية الطائفة العلوية التي ادعى مع هؤلاء تمثيلها، وكان في ذات الوقت المئات من رجالاتها الوطنيين يقاتلون المستعمر الفرنسي بقيادة الشيخ صالح العلي، وأن كل ما جاء في هذه الوثيقة لا يعبر عن موقف غالبية الطائفة العلوية الكريمة التي تصدت لفرنسا، عندما أرادت أن تقيم دولة علوية في الساحل السوري وتفصلها عن دولة الأم سورية. 
وهذه صورة عن الوثيقة التي رفعها هؤلاء العملاء إلى المندوب السامي الفرنسي:
وثيقة تحت رقم (3547) تاريخ 15/6/1936. نص العريضة التي رفعها هؤلاء العملاء إلى جناب الحكومة الفرنسية المنتدبة يطالبونهم بعدم إنهاء الانتداب هذا نصها: 
(دولة ليون بلوم، رئيس الحكومة الفرنسية: إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم (السني) ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل. 
إننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين!! وأن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرفاه! ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئاً بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة بالرغم من وجود إنكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا، إننا نقدر نبل الشعب الذي يحملكم للدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف، خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين. ونحن الشعب العلوي الذي مثله الموقعين على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله، ويضع بين يديها مصيره ومستقبله، وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق قدم لفرنسا خدمات عظيمة. 
التوقيع: سليمان أسد (جد حافظ الأسد)، محمد سليمان الأحمد، محمود أغا حديد، عزيز أغا هواش، سليمان مرشد، محمد بك جنيد).
وإذا ما لمسنا تعاطف هؤلاء العملاء مع اليهود فهذا نابع من كون زوجة سليمان الوحش هي يهودية من الناصرة، وقد روى لي صديق فلسطيني أثق بدينه وخلقه أنه شاهد بأم عينه صورة حافظ الأسد مرفوعة في أحد بيوتات اليهود في الناصرة، وعند سؤاله للعجوز اليهودية صاحبة البيت عن صاحب الصورة قالت: إنه ابن خالتي!! 
وحتى لا يظن البعض أنني أثير خلافات طائفية أو مذهبية فإنني أبرئ الطائفة العلوية الكريمة من عمالة هؤلاء والتي تجمعني ببعضهم مصاهرة وقرابة عمرها ما يزيد على أربع وستين سنة ولي أصدقاء أعتز بصداقتهم ووطنيتهم، وأذكر في هذا السياق (النقيب نورس طه) الصديق والرفيق الذي كان لي شرف تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية بمعيته في مرتفعات الجولان لأكثر من سنتين، وكان لهذا الصديق الوطني شرف الاستشهاد على ثرى الجولان، وقد رفض الامتثال لأوامر وزير الدفاع حافظ الأسد بالانسحاب، وظل يقاوم التقدم الصهيوني ويدمر آلياته في موقع (تل فخار) حتى سقط شهيداً مع ما يزيد على مئتي ضابط وصف ضباط وعسكريين آثروا الصمود والشهادة على الفرار والمذلة.
ولعل تمسك النظام الذي يقوده الأسد الصغير بالتحالف الاستراتيجي مع إيران الصفوية، الذي ورثه عن أبيه الذي وقف إلى جانب طهران في حربها مع العراق لأكثر من ثماني سنوات (1980-1988)، خلافاً عن إرادة كل العرب وتحدياً لهم، ومشاركته في العدوان الثلاثيني الذي قادته أمريكا على العراق عام 1991، وتهدئة الجبهة السورية الصهيونية وتأمين حماية الحدود الإسرائيلية الشمالية وطي ملف الجولان المحتل ونسيانه منذ العام 1967، واحتلاله للبنان وضرب المقاومة الوطنية اللبنانية وإرغام الفصائل الفلسطينية على الانسحاب من لبنان، وقد عجز الصهاينة عن فعل ذلك في اجتياحين للبنان واحتلال بيروت، ودعمه لحسن نصر الله الصفوي القادم من قم في تأسيس ما سمي بحزب الله وتمكينه من إنشاء ميليشيا تهدد طوائف لبنان ونسيجه الاجتماعي السلمي، وجعله ذراعاً صفوياً تهدد به طهران السلم والأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة، وليكون الحلقة الشرقية لهلال إيران الشيعي الذي يمتد من طهران إلى بيروت ماراً ببغداد ودمشق، وحتى يتحقق كل ذلك فتح الأسد الصغير أبواب سورية مشرعة بلا رقيب ولا حسيب لهؤلاء الصفويين ليعيثوا فساداً وإفساداً في سورية، ويجعلوا منها مقراً لأجهزة أمنهم لحوك المؤامرات على العرب ودول الجوار، وموقف الأسد الابن من غزو أمريكا للعراق المخجل والمريب عندما قدم لهذه القوات الغازية الدعم اللوجستي والمخابراتي، واستضافته للمعتقلين العرب الذين حولتهم واشنطن إلى دمشق في أقبية وزنازين أجهزة الأمن السورية للتحقيق معهم على طريقتها الهمجية، واستعانة هذا الأسد الصغير بعناصر الباسيج وعناصر من جيش القدس الفارسي وميليشيا حسن نصر الله في قمع وقتل وتعذيب المتظاهرين السلميين السوريين الذين يطالبون بالحرية والكرامة، لدلالة على صدق ما ذهبنا إليه، ونحن هنا لا نتهم بل نورد حقائق!!
ولابد لنا من أن نذكّر السوريين والعرب والعالم أنه عندما كان الأسد الصغير يلقي خطابه الأجوف كانت هناك أحداث تجري على الأرض، ولعل أهم هذه الأحداث المثيرة، تسليم أجهزة امن النظام أصغر إرهابية تنتمي إلى العصابات المسلحة التي يقمعها الأسد الصغير بدباباته وراجمات صواريخه ومدفعيته وطائراته وبارجاته الحربية، تسليم الطفلة (عفاف سراقبي) التي لم تبلغ بعد الخمسة أشهر إلى ذويها، والتي اختطفت مع أبيها وأمها دون معرفة مصير الأبوين، وقد تعرض جسدها البض إلى ألوان شتى من التعذيب الوحشي الذي كان بادياً على صدرها وأعضائها، والثانية ما أدلى به المراقب العربي (أنور مالك) لقناة الجزيرة والذي بث مباشرة من تصريحات تدين النظام الفاشي والسادي الذي يحكم دمشق، بعد استقالته من لجنة المراقبة العربية التي تعمل في سورية وترصد وتراقب ما يدور فيها. 
قال مالك: (إنه انسحب من البعثة لكي لا يتحول لشبيح للنظام السوري, وأضاف أن عمل بعثة المراقبين في سوريا مضيعة للوقت, و شدد على أن حمـص مثلاً يجب أن تعلـن منطقة منكوبة, وأكد أنه لم يتم سحب أي آلية عسكرية في حمص ماعدا تلك المحاصرة من الجيش السوري الحر, وقال أن النظام السوري يستخدم كل الوسائل لتضليل البعثة عن طريق تغيير أسماء الشوارع وأن عسكريين يصطنعون مظاهرات تأييد لبشار الأسد ويطلقون إشاعات بأنه سيتم اختطافنا, وعن منطقة بابا عمرو فقد قال أنها أصبحت منطقة محمية من الجيش السوري الحر وهي فقط التي تحدثنا فيها بأريحية مع السوريين, وأضاف ‘شاهدت ما لا يمكن أن اصمت عليه لذلك تحدثت من الداخل لأنه ليس من الرجولة أن أصمت’ وأكد أنه تعرض لمحاولة اغتيال في سوريا قبل انسحابه يوم الثلاثاء 10 يناير). 
والحادثة الثالثة احتجاز تركيا لشاحنات إيرانية قادمة من إيران باتجاه سوريا تحمل شحنات عسكرية، عند معبر اونكوبينار الحدودي المؤدي إلى سوريا، وقد صادرت جمارك إقليم كيليس الشحنة لحملها معدات عسكرية.
والحادثة الرابعة ما ذكرته المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات) في تقرير يتهم إيران بالتشويش على قنوات الجزيرة الفضائية اضطرها لتغيير تردداتها عدة مرات خدمة للنظام السوري. وقالت عربسات في الوثيقة السرية التي أرسلت إلى مدير القطاع الفني لشبكة الجزيرة “لوحظ تأثر باقة الجزيرة بواسطة حاملين تم إرسالهما من موقعين مختلفين في ايران”.
ختاماً أضع هذه الحقائق أمام وزراء الخارجية العرب الذين سيجتمعون في التاسع عشر من الشهر الحالي للنظر بما يحمل تقرير المراقبين العرب عن الأوضاع في سورية الذي سيقدم إليهم، لاتخاذ القرار الصائب والشجاع في مواجهة هذا النظام اللاعروبي واللاإنساني، يجرم الوحشية التي يستخدمها هذا النظام في قتل شعبه وقمع المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة والدولة المدنية منذ عشرة أشهر، قدم هذا الشعب البطل الصامد خلالها أكثر من 6000 آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والمعتقلين والنازحين والمهجرين، وأن عليهم أن لا يعطوا هذا النظام أي فرصة جديدة ليمعن بدم السوريين وأرواحهم، وهم يعرفون أن الطريق الأمثل أمامهم تحويل هذا الملف إلى مجلس الأمن ليتبنى خطة العمل العربية والبروتوكول الملحق بها، ويقدموا للمجلس الغطاء الذي يمكنه من تفعيل أي قرار دولي ينقذ الشعب السوري من مخالب هذا النظام المجرم. 
أخيراً أتوجه إلى أشقائنا وإخواننا في الوطن من الطائفة العلوية الكريمة أن ينحازوا إلى ثورة الشعب السوري ويتبرؤوا من جرائم الأسد الصغير، فمصيرهم من مصير هذا الشعب الذي يشاركوه هوية الوطن الذي ننتسب إليه جميعاً، فهو الحضن الدافئ الذي علينا جميعاً أن نلجأ إليه ونحمي سياجه يداً واحدة في مواجهة الظلم والاستبداد، فالظلم والاستبداد لا يبني أمة ولا يصنع رجال ولا يحمي أوطان، وأن عليهم أن يعو أن السفينة التي ستحمل الأسد الصغير في رحيله عن سورية لا تتسع لأكثر من مئة راكب!!