أقلامهم

جعفر رجب: مسكين هذا الدستور لقد صار كل يغني على وصله وكل يده ملوثة بدمائه،

دستورنا باص وإطار ورقاصة


جعفر رجب



مسكين هذا الدستور لقد صار«ملطشة» للجميع، كل يغني على وصله، وكل يده ملوثة بدمائه، مسكين هذا الدستور، مرة يحذرون من إفراغه من محتواه، لقد حولوه الى «اطار» شاحنة، وهذا الناشط السياسي الذي يبدو أنه كان «بنشرجيا» ويحول كل قضايا الكون إلى «إطارات»، تصور الدستور اطارا «مفشوشا»، ولابد من نفخه، حتى يصبح كبراطم الفنانات الخليجيات، دستورا متفوخا، ومنفوخا…!
مرشح آخر يحذرنا من تجاوز الدستور، لاشك أنه مرشح يتصور الدستور باصا يسير في الشارع، ولا يجوز لأحد تجاوزه، ولابد من الجميع ان يسير خلفه، لأن أي تجاوز قد يؤيدي إلى هلاكه، لقد تحول الدستور إلى باص وسيارة تاكسي جوال، رغم ان المرشح ملك التجاوزات، ولا يتغذى إلا بمنشطات التجاوز!
وخبير سياسي، يحذرنا من انتهاك الدستور، لانه تخيل أنه خادمة في فيلم مصري، نائمة في المطبخ، ثم يأتي سيد البيت وهو سكران، ويلبس طبعا «فانيلة بوعلاق» ويشاهد الدستور نائمة، ويقوم بانتهاكها، وهي تردد «عيب يابيه، مش كده يابيه» ثم «تطيح» عليه الزوجة، ولانها لا تستطيع على الرجل، تقوم بطرد الخادمة «دستور»، ثم تشتغل رقاصة، وتصبح مشهورة، وتلبس برنيطة «وتعود لتنتقم بعد ذلك من الوحش الذي انتهكها…!
ومرشح آخر، محافظ، يحذر من تجريد الدستور، من ملابسها، ويتركها عارية في الشارع، وقد تسبب الفتنة للشباب، وآخر يطالبنا بعدم المساس بالدستور، وهو يوميا يمارس هواية تعذيب الدستور في مقره الانتخابي، مع تصفيق الناخبين له.
هذا الدستور المسكين صار «علكا في حلوج» المرشحين والنواب السابقين، يلوكونه كما يريدون، مرة يحملونه ومرة ينزلونه، مرة يدافعون عنه، ومرة يريدون تغييره، ومرة تنقيحه، وكأن كل مشاكلنا محورها هذا الدستور!
إن أعرق الديموقراطيات في العالم وهي «بريطانيا» مازالت من دون دستور مكتوب، وأسوأ الديكتاتوريات في العالم ومنها غالبية الدول العربية، لديها أجمل، وأفضل الدساتير المكتوبة… القضية ليست في عدد مواد الدستور، ولا في إضافة مواد، او في حذف مواد، ولا في تغيير مادة هنا أو إضافة هناك، أو حتى تغييره كله، بل هي في الممارسة، وعقلية النائب والناخب، وفي الوعي السياسي عند المواطن الذي يفترض أنه يعرف حقوقه وواجباته، دون ان يبحث في أرقام المواد، ويحفظها ويسمعها، ويجلس ليحلل المذكرة الدستورية، ويتحول المواطن إلى خبير دستوري… لاننا أصبحنا مع الأسف «حافظين الدستور ومو فاهمينه»!