كتاب سبر

إني أخاف عليكمُ أن أغضبا

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
                      إني أخاف عليكمُ أن أغضبا
                                                        جرير
لا تُعجب عاقلا ألبتة، ولا تُرضي حكيماً أبداً، تلك الازدواجية التي “كانت” تتعامل بها الحكومة مع بعض القضايا المصيرية، التي من شأنها أن تضر بالبلد، ووحدته الوطنية، وقلتُ “كانت” على اعتبار أننا على أعتاب حكومة جديدة، للتو انتهينا من ترديد عبارة “اللهم إنّا نسألك خيرها وخير مافيها ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها”، كما أننا نتمنى أن تكون هذه الحكومة ذات نهج جديد مع يقيني بأن الحكومة تسأل الله العلي القدير أن يكفيها شرّ “نهج” وأخواتها، ورغم أن ليالي العيد تبين من عصاريها، فإني لا أرى بعد عصرنا ليلة عيد، بل أشعر بليل طويل سيجعل أعقلنا يردد “ياليل مطولك”، وكيف لا وأنا أرى رؤوسا قد أشرفت على الوصول لكرسي البرلمان من شأنها أن تؤجج الصراع من جديد.
كانت الحكومة السابقة – رحمها الله – تتكلم كثيرا عن الوحدة الوطنية واحترام أبناء القبائل وعدم إثارة الفتنة الطائفية وعدم إثارة كل ما من شأنه أن يضر بالبلد وأمنه، وأن يؤجج الضغينة بين أفراد المجتمع، كل ما سبق كلام جميل تشعر وأنت تقرؤه أنك تسير بين حدائق من الورود الغنّاء، وأنك تسرح وتمرح بين أشجار التين والرمان، ولكن الحقيقة أن أيّا مما سبق لم يكن يطبق على أرض الواقع، بل كانت الحكومة – قصدت أم لم تقصد – هي من تساهم في تأجيج الصراع دائما وأبدا عبر إطلاق العنان لسفهاء القوم الذي ولغوا في إناء القبايل فنجسوه، وهتكوا أستار العيب والحياء، وراحوا على مرأى ومسمع من الحكومة يقومون بتسديد ضربات موجعة للوحدة الوطنية حتى أصبحت “الوِحدة” الوطنية من جرّاء تلك الضربات كأنها “وَحدة” مسكينة تستنجد بالمارّين في الطرقات، ولولا حفظ الله ورعايته لهذا البلد، الذي ولله الحمد لا زال يعج بالكثيرين من أهل الخير وأصحاب الضمائر الحية وكثير من الأتقياء الأنقياء، لحدث ما لا يحمد عقباه.
في قضية البدون أيضاً مثال واضح على تلك الازدواجية وذلك التمايز في الطرح، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تحاول تهدئتهم وإطلاق الوعود لهم وتذكيرهم بأنهم أبناء الكويت ، كان البعض يخوضون في أعراضهم ويرمونهم بأبشع الأوصاف التي تتضمن ظاهرا وباطنا الطعن في أنسابهم وانتماءاتهم على مرأى ومسمع من نفس الحكومة التي كانت تخدرهم بالوعود بين الحين والحين، ولولا حبهم الذي لا يضاهي لبلدهم الكويت، لحدث ما يسوء أيضاً .
من تلكم الدروس يجب أن تستقي الحكومة الجديدة الفوائد وتستخرج العبر، ولتعلم أن المحافظة على الوحدة الوطنية يبدأ عن طريق إحكام السفهاء وشد الوثاق عليهم وإلجام أفواههم، وردعهم عن الأفساد في البلاد ونهش أجساد العباد، وعدم التودد لهم وإعطائهم أكبر من منزلتهم التي أنزلهم الله إياها، وتذكيرهم بأنهم وإن امتلكوا الأموال والقنوات والصحف فهم سقط من القوم كثرت أموالهم وقلّت مروءتهم، ارتفعت أرصدتهم وانحطت أخلاقهم، وشتان بين الحالي .
كما يجب على الحكومة الجديدة أن تعلم أن امتصاص غضب الجماهير مهارة لا يتقنها إلا الحكماء وأصحاب الرأي السديد، وأن النزول للغة خطاب الشارع ومواجهة العناد بالعناد لا توصل إلى برّ الأمان، وأن السفهاء في كل عصر ومِصر كانت أقوامهم تحرص على إحكامهم وإلجامهم؛ خشية أن يغضب المقابل، وأخذا بنصيحة جريرٍ على الأقل .
 منصور الغايب