سبر القوافي

رسالة من بدون

إلى الظروف التي لم تنصفنِ ، إلى وطني الذي لم يكن وطني.
بلا تحية، وبعد..
“فأي تحية تنتظرها لتكمل رسالة؟! من مواطن غير مكتمل!!”
 بلادي، التي إلى الآن لم ترضَ أن تصبح بلادي.. التي لم تعدّ خوفي وحبي لها و دفاعي عنها واستشهادي وأسري في سبيلها.. ضمن الأعمال الجليلة.. بل اعتمدت على مقاييس مختلفة لتحديد “جلالة العمل”.. وإن كان ذلك، إذن سجّلي ما هو العمل الجليل:
سأخرج كل ليلة لأسهر في سبيل حضنكِ.. سأصرخ وأرفض الظلم و أعتصم في كل ساحة من ترابكِ؛ لأطالب بألا أفترق عن كرامتي في “أروقتكِ الحكومية”.. سأغني وأنشد كل صبح ومساء تحت أصوات قنابلهم “المسيلة للدموع” أناشيدي الوطنية وأغاني السلام.. (بالمناسبة، هل نحتاج لقنابل تُسيل دموعنا؟.. ألم يعلموا بعد بأنها جفّت وهي تسيل لخمسين عامًا متواصلة!!.. هل عرفوا معنى أن يصبح الطموح من المستحيلات البِعاد!  هل عرفوا ما معنى أن تكون الأحلام بعيدة كالنجوم! هل سمعوا بـ “محاولة التخطيط للمستقبل”! إن لم يعرفوا كل هذا سيجدوه بين أنقاضي) وأيضاً سأطالب ببراءة أصدقائي المحتجزين من كل شيء، إلا ” الشجاعة”.
( وطني ) .. هل تعلم بأن أطفالنا ضُربوا.. ونساءنا ضُربنَ.. ولم يعد هناك ما يستحق المحاربة من أجله مثل: الكرامة! وهل تعلم يا وطني بأن الكثير من أبناء مناطقنا الحزينة تركوا مدارسهم مبكراً؛ للبحث عن عمل وهم في سن الطفولة والمراهقة! وهل تعلم يا وطني مقدار القلق واليأس الذي ينتاب كل منّهم حين يسمع أمه تبكي كل ليلة أحلامه المقتولة!! وهل تعلم بأن الصبر على “وعود لا تتحقق” هو مفتاح الغضب..!
دعني أروى لك حكاية قصيرة – ولستُ أعني بها أحداً ليعتبر أو يتفكر- لمجرم مُدان بقضايا قتل عديدة اسمه “جاك هنري آيوت”.. كتب مذكراته بالسجن على هيئة رسائل إلى ” نورمان ميلر” حيث قدمها الأخير في كتاب سماه ( في أمعاء الوحش).. قضى آيوت من عمره في السجن أكثر مما هو طليق.. بسبب جناياته التي بدأت معه من سن الثاني عشر منها شيكات مزورة وسرقات مصارف إلى جرائم قتل عديدة.. مع ذلك أتى نورمان ميلر؛ ليقنع السلطات المختصة بأن هذا المجرم المسعور من الممكن أن يُصبح من أهم الكتّاب الأمريكيين وأن لديه القدرة أن يعيش من قلمه، و أطلق سراح المجرم المبدع إطلاقاً مشروطاً باستقامة أخلاقه، حيث طُبع كتابه بعدها الذي احتل أكثر الكتب مبيعاً و نجاحاً.
أمّا هنا في وطني كثير من الأبرياء، التي شاخت شهاداتهم في أدراجهم، ولم تلتفت لهم فرصة واحدة، فامتهنوا الفراغ على الأرصفة.. وكثير من الأدباء والكتاب والشعراء لم يحتضنهم الوطن أيضاً.. فذهبوا حاملين (الكويت) في قلوبهم لتتبناهم أوطان أخرى قسراً.. أوطان تعرف كيف تتفرد بمبدع!
كم أنتَ ( لا تعلم ) يا وطني..!
وإن كنتَ تعلم دعك من حديثي.. و قل لي: ألا تحسّ بتخمة في جانبك ( الأوسط )؟!
مع ذلك.. كل التحية النقيّة يا وطني.. فقلبي كاملاً!
ابنك “البدون”
مشاعل الفيصل 
@Negative87