أقلامهم

دلع المفتي … لا تحب دبي غيرة منها على الكويت


لا أُحبُّ دبي!


دلع المفتي
طوال عمري لا أحب دبي. حاول الكثيرون من معارفي وأصدقائي اقناعي بتغيير رأيي، لكن من دون جدوى! يدعونني لزيارتها، فأذهب، أتنزه، أتفرج، بل وأستمتع، وأعود بالشعور نفسه.. لا أحبها.
منذ زيارتي الأولى لها قبل سنين، رفضت دبي تماماً، حتى حين أعود لزيارتها لإنجاز بعض الأعمال، أو لإجازات قصيرة تحت ضغط العائلة، فإني أذهب وأعود بالشعور المتلبد نفسه حيال تلك المدينة. رفضت تطورها المذهل، كالفقاعة التي خرجت من رحم الصحراء. رفضت مدنيتها التي أسست على بداوة جميلة، رفضت قوانينها الرائعة التي تجعل الحياة فيها مريحة وسهلة، رفضت سلاسة روتينها، وسرعة اجراء المعاملات فيها. رفضت تقدمها التكنولوجي الذي جعلها في مصاف الدول الاوروبية، رفضت عماراتها التي تنافس نيويورك بعلوها وجمالها، رفضت تخطيط مدنها واخضرارها الدائم رغم كل المعوقات البيئية!
كرهتها.. كرهت أخلاق أهلها واحترامهم للغريب، وأدبهم في معاملة المقيم، كرهتها لأنها أصبحت مثالاً رائعاً للتعايش بين الحضارات والأديان، ولأن أي إنسان بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه بوسعه أن يجد فيها حضنا دافئًا وملاذا للعيش، حتى أصبحت وطن من لا وطن له. كرهتها، لأنها أصبحت مقصداً لملايين السياح من كل أنحاء العالم، على الرغم من سوء الاحوال الجوية بها معظم أيام السنة. نعم كرهتها أكثر لأن ثمة حريات فيها، حُرمت منها معظم الشعوب العربية، فإن كنت تريد الصلاة فمسجدك على يمينك، وان كنت تودّ السهر والاستمتاع حتى ساعات الصباح فمكانك على يسارك. كرهتها لأنها استطاعت أن تجعل سماءها تثلج صيفا، كما جعلت وردها يزهر في انحاء الصحراء. كرهتها، إذ لا يمر اسبوعٌ إلا وتستضيف خلاله مهرجانا عالميا، أو مسرحية ثقافية، أو مطربا مشهورا أو سيركا، مستفزة لشعور صغيرتي، التي دائما ما تشتكي «ليش هم وليس نحن؟!». 
كتب صديقي الشاعر سعد الياسري: كيف يمكن للمرء ألا تفتنه مدينة فادحة الجذب والإثارة كـ «دبي»؟! فأنا استوعب أن تكون دبي «سريعة»، وأن تراثها يفتقر إلى «التراكميّة» المطلوبة لعراقة المدن، وأن شاعريتها مقيّدة بإيقاعها المفرط في عصرانيته وحداثته وربما «إسمنته»، رغم انزعاج البعض من هكذا توصيف قاسٍ. نعم أنا استوعب كل هذا بقلب شاعر له معاييره وروح رحّالة ملول.. ولكنني لا استوعب فكرة ألا تكون هذه المدينة «استثنائيّة» بكل دلالات المصطلح المباشرة والعميقة والمجازية. لذا، أنا أحبُّ دبي، ولي بها ذاكرة بعيدة وقريبة ولي بها غد أيضا!
منذ أيام فقط، فهمت ما قصده صديقي، عندما كنت واقفة أتابع بعيني طفلة رذاذ الماء يتقافز من نافورة دبي، استوعبت أخيرا شعوري تجاه هذا المكان الصغير.. هو لم يكن سوى غيرة منها على الكويت..!