أقلامهم

عبد الله خلف : سقط الرّادع الاجتماعي في زمن التراضي بين الراشي والمرتشي…

رواتب المرتشين في العهد التركي

عبدالله خلف
البعض من المختلسين والمرتشين صاروا اعلاما في بعض اجهزة الدولة، لا تمر معاملة الا ولهم نصيب منها، ولا تنجز مخالفة ويرفع عنها المنع الا برشوة! والحكومة تعرف المنتفعين بالرشاوى جيداً، بعض اثرياء البلاد تخرج بعضهم من البلدية والجمارك والاشغال والتموين، اعمال السطو والسرقات في جميع الوزارات حتى اخذ بعض النواب يهددون كل وزير للاستجواب بعد ان عم الفساد كل جهاز حكومي. 
هناك وزراء شرفاء وقد يكونون هم الغالبية ولكنهم ورثوا اجهزتهم المترهلة بالفساد من حقب سالفة، ولا يكاد الوزير ان يطلع على بعض اوراق وزارته ويأمل ان يطلع على ادارته وقطاعاته حتى يعتلي منصة الاستجواب لتعرض عليه اوراق الفساد التي تعاقب على صنعها العديد من الوكلاء والوزراء.. احد الوزراء الصالحين استجوب يوما في المجلس فقال للاعضاء: انا في الايام التي استلمت الوزارة عملت ليل نهار خارج المكتب وانقضت هذه الايام في اجتماعات مجلس الوزراء، والاجتماعات الطارئة واجتماعات مجلس الامة، والذهاب الى مهمات خارج البلاد.. فغبت عن اهلي واصدقائي ولما اتيحت لي ان ادخل وزارتي سألت احد المستخدمين اين مكتب الوزير فحسبني احد المراجعين ودلني على مصعد جانبي، لا يراه احد من المراجعين، وقال العامل هذا هو «الأسنسير» سوف آخذك اليه هو خاص للوزير طبعا فيه إكرامية وهو يحسبني مراجعا، وتقدم.. يسير امامي الى ان دلّني على مكتبي واليوم هو الثالث على استلامي لمكتبي.. متى اعرف الوزارة لكي ارد على الاستجواب، فاعتذرت للنواب وطلبت مهلة حتى اعرف الوزارة بعد حين.. وجاء التغيير الوزاري بعد اشهر قبل ان يحين الموعد الذي وضعته لاستجواب على المنصة، وفك الله سعيد من عمه.
وتذكرت هذا البيت:
تكاثرت الظباء على خراش
ولا يدري خراش ما يصيد
ان تغير الوزراء المستمر صار الوزير الدائم هو الوكيل يسرح ويمرح بالوزارة، السرقات علنية بعد ان كانت بوسيط من جنسية معينة وبعد التحرير استبدل بعض مدراء المكاتب بجنسية اخرى كان بعض مدراء المكاتب هو الذي يطلب اجرة السعي ليسلمها الى سيده ويأخذ منها مايشاء.
الان تعلم البعض كيف يأخذ حصته مباشرة يُساوم عليها ويحدد قيمتها وان لزم تغيير العقد، لم يعد الحياء عائقا..
سقط الرّادع الاجتماعي الذي كان يمنع السرقة والسطو وجاء زمن التراضي بين الراشي والمرتشي..
جاء في كتاب (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) ص 132 للدكتور علي الوردي ان رواية نُقلت اليه من العلامة السيد محسن الامين في عام 1901، أنه سافر من بغداد الى الشام وعند توقفه عند نقطة الرمادي تقدم مأمور الأمن طالباً تسعيرة المرور (البرطيل) اي الرشوة وبعد ان قبض المبلغ عاد الى السيد الأمين ليعتذر عن اخذه المبلغ قائلاً له ان دولتنا (وكانت في العهد العثماني) تُرسل المأمور وتقول له خذ راتبك من المسافرين ولا تبق لي الا ثلاث مجيديات لاتكفي (التتن) هذه هي المدرسة العثمانية التي سيطرت على الدول العربية الكبرى مصر وبلاد الشام الكبرى والعراق..
وبلاد المغرب العربي من اخلاقياتها حيث ان الموظف يأخذ راتبه من الارتشاء واستمرت حتى هذا اليوم.
حكومتنا الرشيدة تعرف المرتشين في اجهزة الدولة، لماذا لا توقف صرف رواتبهم وتقول لهم يكفيكم اخذ العمولة والاتعاب و (البرطيل) من السرقات، والرشاوى من الوسطاء او اخذها مباشرة وسوف يرتضون بوقف رواتبهم لقاء العملات ومنهم نواب في المجلس واصحاب البشوت البرّاقة.