أقلامهم

نادين البدير : كيف ننسى الحلم؟ من ينسى شرفه؟


احلم. احلم. احلم

نادين البدير 
ما حلمك؟ بماذا حلمت وأنت صغير؟ هل دمرك حلمك؟ أم أنعشك وأعاشك؟ أو كنت ممن ابتعد عن الشر بمجرد بزوغه الأولى واتبع خطى الواقع بتقاليده الرتيبة ذات السعادة المعروفة بلا خيالات مرهقة أو كوابيس مزعجة؟
ولمن كسر القاعدة ولم يتبع الأنساق واتبع حلمه مهما كان جنونه: هل تشكر القدر على نعمة الأحلام؟ أم تتذكر الموعد الذي غفوت به مستيقظاً وتستعجب من تماديك بتشكيل عالم لم يكن موجوداً؟
في هذا المجتمع الذي يمقت الحالمين. ويضيق الخناق عليهم، من يملك الجرأة على إعلان حلمه؟
من تملك الجرأة على ذلك ولو سراً؟
أعتقد أن الأمر مع المذنبين قد سار كالتالي:
يغريك الخيال. فتتمرد. أول خطوة تبدأها خائفاً قلقاًِ. تعجبك البداية فتتمادى أكثر، بعدها لا تعود تسمع أو ترى شيئا معتاداً. الناس من حولك، الكل يستنكر ما تفعله. وعيناك لا تتسعان سوى لخيالك. وطريقك خالياً إلا من عمود واحد عليه مصباح واحد شعلته تتراقص متعالية حتى على العمود الذي يرفعها. تنطق قائلة: احلم
وحين تصل إلى هناك، حيث منتصف المسافة أو ربما نهاية الدرب، وفيما أنت تفكر بزهو وفخر ببدايات حلم جديد يطرأ على بالك شيء مهم. تنظر من حولك، فلا تجد أحداً.
هنا. الأحلام أثمانها باهظة، هكذا قالوا لنا.
فكيف تتحقق المعادلة؟ كيف نحافظ على حياة سوية ونتمسك بأطراف حلم ما في ذات الوقت؟
أنت عنيد. تعلم أن تحقيق المعادلة في المكان العربي من رابع المستحيلات بفعل التقاليد، لكن كل ما بك يدغدك ويدفعك لاتباع إلهامك وضوضائك وفوضاك وكل ضروب البوهيمية الفكرية التي يعيشها خيالك. تقول ان تلك الضروب كانت أساس إبداع الشعوب. قل لي أيها المذنب: من يهتم لإبداع الشعوب هنا؟
الحلم في هذا المكان يفصل على قياس الجميع. مثلما يفصل الفكر على قياس الجميع. مثلما يقررون لك متى تنام ومتى تثور، متى تهدأ ومتى تعصف… إلى آخر تنشئة القافلة التي تسير بنغمة واحدة وتسهر على حلم واحد أيضاً.
لا أدعو لأي تمرد بل لإنعاش علاقتي والأحلام. ماذا يعني لو انشققت وحلمت بشيء غير الموروث المرسوم القديم؟ ماذا لو أحلم حلماً غبياً، أو هستيرياً؟ وماذا لو أرفض السير مع القوافل العظيمة؟ ماذا لو أسير وحيدة في قافلة رثة، لكنها حلمي؟
الأمانة تلزم أن أصارحك بأنك ولكي تعيش سعيداً بشكل مطلق (نوعاً ما) بهذه الأرض التقليدية، فانس أن تحلم غير الحلم المعهود. خذ شهادتك، واعمل بأي وظيفة، ثم تزوج وانجب أطفالاً ولا تسأل كثيراً ولا تسرف في القراءة ولك أن تتناول ما شئت من الطعام. أنت أيضا تعلمين دون أن ترتقي في العلم كثيرا وتزوجي مبكرا ثم انجبي الأطفال ومثله لا تطرحي الكثير من الأسئلة واسمني قدر ما تستطيعين
كي تعيش السعادة الدارجة لا تمارس الغباء، لا تدخل في تعاتيم الأحلام وتتحدى وتنفذ ما يتلوه عليك إلهامك ووحيك.
أسأل نفسي كل ليلة قبل أن أنام: هذا الطريق الوعر. ما السعادة التي أراها فيه؟ أصفها بأنها ليست سعادة بعيون مجتمعية. هي سعادة من نوع آخر. لاذعة أحياناً، موجعة يملؤها التشويق. ورغم ذلك فيكفي أنه طريقي الذي ابتدعته دون إملاء. هذه سعادة بحد ذاتها. يعيشها غيري وأنا. نحن الذين رفضنا أن ننسى. ولم نعر اهتماما لمن يصنف الأحلام بين حلال وحرام.
وكيف ننسى الحلم؟ من ينسى شرفه؟
في فيلم أميركي ريفي غير معروف. قالت الأم لابنتها: لا تدعي مخلوقاً يقف بينك وبين أحلامك. ولا تتنازلي عن حلم، لأنك لن تنسيه أبداً وسيلاحقك كالكابوس حتى تنهيه أو تعيشي محطمة.
نزول الشباب للميادين يعني أن الناس لم تنس ومازالت تحلم. وخروج التظاهرات في كل مكان عربي يعني أن الأحلام الحرة لم تمت ولم يصيبونها بمقتل كما ظنوا. تقف الأحلام على رؤوس الجبال. ويقف البقية يبحلقون. عاجزين عن هزها وتحريكها.