أقلامهم

عبد الله بشارة لايستطيع التعاطف مع فصائل من المرشحين … هناك مياه كثيرة وغزيرة مرت تحت الجسور

لوحات سيريالية في غابة المرشحين

عبدالله بشارة
لا أستطيع ان أتعاطف مع فصائل معينة من المرشحين الذين يتحدثون الآن بوعود لم يقدروا على الوفاء بها خلال عضويتهم في المجالس السابقة، وأستغرب من إلحاح النواب السابقين الذين يريدون العودة بعدما استطعموا مذاق الامتيازات وأعطتهم الكراسي مكانة اجتماعية ووجاهة نيابية ليسوا مؤهلين لها، ونراهم الآن بحماس العائدين ولا نعرف ماهية التجديدات الفكرية والمبادرات المؤثرة التي يتحدثون عنها الآن ولم يظهر منها شيء خلال الاقامة الطويلة في مبنى البرلمان.
نواب فقد بعضهم عضويته منذ سنوات وبعضهم خرج مع الحل الأخير، يتبارون الآن في استعراض لحزمات حديثة لأفكار متوهجة، ومنابع صافية تفتح مبادرات فريدة.
هؤلاء وغيرهم من الذين يريدون الكرسي المغري لم يستوعبوا حتى الآن حقائق التغيير التي عاشتها الكويت أخيرا، هناك مياه كثيرة وغزيرة مرت تحت الجسور، دخلت تحولات ما كانت متوافرة، فلم يعد الرأي العام الكويتي مهتماً بأطروحات المستهلكين من النواب السابقين الذين أخذوا الكثير ولم تمكنهم محدودية الثقافة وتواضع الفكر من العطاء، ووجودهم الآن مع المستجدات في المشهد الكويتي ممجوج وشاذ، مهما تحدثوا عن نظافة السلوك وعفة الذمة وعصرنة الطرح.
وغير القدماء المستهلكين من لائحة المرشحين هناك آخرون من الطراز الجديد الحامل معه ملفاً من المناوشات ومن وثائق الاتهامات لمواجهة آخرين سيطروا على الحشد السياسي الداخلي منذ سنوات وتأكدت زعاماتهم خلال أداء الفصل الماضي في قاعة البرلمان وأصبحوا المرجعية التي تزكي من نراهم صالحين وتحارب من تتصورهم مندسين لخدمة الممولين وأصحاب النفوذ المنحسر الذين يسعون لاسترجاع أمجاد سابقة.
ولعل حدة المقالات في الصحافة وغلاظة المفردات في المراكز الانتخابية ومحطات المرشحين تكشف حجم الاتهامات المتبادلة وانعدام الثقة بين الأطراف، وإذا كانت «جماعة الشعبي» ترمي الآخرين بالمهادنة والرشوة والتبعية فالآخرون قادرون باتهام الشعبي بتدمير البلد لمصالح ذاتية وتشويه سمعة من يختلف معهم، فالأعضاء من مجموعة الشعبي في رأي هؤلاء المرشحين الجدد، ممارسون للاثم والعهر ولا يحتملون الرأي الآخر المعارض والمنتقد محتكرين شهادة الولاء الوطني لهم فقط.
قرأت، بغضب، اتهامات سوقية متبادلة بين الطرفين تنم عن تحقير واستهجان لم نكن نسمعهم سابقاً.
وهناك مجموعة من المرشحين الذين يعتمدون على الذراع القبلي في احتضانهم ورعايتهم وهم متنوعون، بعضهم قديم في سلوكياته تقليدي في طموحاته، ومتواضع في مبتكراته، والبعض الآخر مالك لطموح الشباب لكن أحكام الزعامة القبلية تفرض عليه الامتثال لقيود القبلية وفلوكلورها.
وهذه الشريحة تتجه في مستقبلها نحو الشباب حيث يلاحظ انحسار النهج القبلي التقليدي، ويهمني شخصياً في هذه الانتخابات الأعداد الكبيرة من المرشحين والمرشحات من اللائحة المستقلة الذين يعتمدون على مبادراتهم وبرامجهم ومرئياتهم فلا يملكون قبيلة تتبنى وتنتصر، ولا طائفة تمول وتحتضن، وإنما المرشح يقدم عصارة فكرة ومبادراته وإخلاصه وشبابه ويعتمد في نجاحه على تقدير الناخبين ونضجهم.
هؤلاء يمكن أن يدشنوا حياة جديدة داخل المجلس في التركيز على التنمية والتخطيط والاقتصاد وأن يرسموا نهجاً في التعاون مع الحكومة في شراكة مؤسسة على التفاهم للمنفعة العامة بعيداً عن خصومات السياسة ومتحللين من التشكيك في النوايا، كانت المشكلة في البرلمان السابق تراكم الشك القاتل بين المجموعات، وبينها وبين منهج الحكومة.
هؤلاء الشباب هم صوت المستقبل الذي سيخرج حياة الكويت النيابية من الكر والفر من الاتهامات بين التقليديين من النواب الذين يتحدثون بكلمات أكبر من قدرة الكويت على هضمها، ويرمون التهم ضد بعضهم بتعبيرات إرهابية على طريقة نواب الصومال.
الوضع الآن لا يستوعب مرشحين تجلس على أكتافهم عفاريت الحسابات المليونية مهما سعى هؤلاء المرشحون في ادعاء النظافة كما أن الوضع لا يقبل نواب التقليد المضروبين بالمخالفات وسوء النوايا والتدبير والولاء الأعمى للمصالح، ولا يوجد مزاج حالي لأصحاب الأجندات الذين يسعون للمناكفة وتنتيف الريش وتسخير الأقلام لبث الأوهام حول تحويلات مالية خارجية بمباركة من طائفة معينة من المرشحين الغرض منها تدمير حياة الكويت البرلمانية، مع تهيؤ للانقضاض على من لا يتفق معهم فكراً وأسلوباً.
مرة أخرى لا يغيب عن البال الإنجاز الدستوري الذي تحقق في الآونة الأخيرة في فرض مسار مختلف في مصير قيادة الحكومة مما رفع شأن مركزية المجلس وعزز قراره في بقاء واستمرار الحكومة المرشحة، هذه خطوات لها حسابات تختلف عن الماضي وتضيف على المجالس أعباء فكرية وثقافة سياسية وأكثر من ذلك جرأة في تحديد هوية المواقف لا يقدر على الوفاء بها نواب التقليد الذين يستمدون حياتهم من الخدمات والتسهيلات الحكومية، ولهذا فان عودة التقليديين هي قيود في وجه الانطلاق وعائق ضد التجديد والتحفز.
نقول إن مرحلة الشباب هي الالتزام بحماية المجلس من الانحدارات في السلوكيات ووقاية المجلس من البذاءات في المفردات، وأهم من ذلك صون قدرة المجلس على متابعة المرحلة التاريخية التي تعيشها المنطقة والتمسك بالمفاهيم العالية المتوقعة من المجلس في إخراج البلد من الجمود ورفعها من التعثر وضمها إلى التفاعل مع التقدم والتطور ورفض أصوات دعاة الالتفات إلى الخلف، فالكويت مع نداء المستقبل ولا قدرة لها على ضياع الوقت في جدل بيزنطي عن المسموحات والممنوعات.
تتجه الكويت وبأسرع مما نتصور نحو تحقيق «الأمن الديموقراطي «الذي يشعر المواطن فيه باطمئنان كامل لنزاهة القضاء، ويرتاح فيه إلى تعاون وتفاهم بين السلطة التنفيذية وبين السلطة التشريعية، ويرى فيه هوية جديدة لسلوكيات النائب الطامح معبرة عن نضج فكري وعن اعتماد تام على الثقة في النفس وعن ديمومة التمثيل بالانجاز وليس بسبب رعاية من فلان ودعم وسخاء من علان.
ولا مكان للنواب الذين دخلوا في التمحورات في صراع الكبار، فلم يعد مناسباً التسامح مع نواب يريدون العودة إلى المجلس وكانوا سابقاً محسوبين على شخصية فارضة وجودها في صفقات السلاح أو مؤثرة في عقود المناقصات، فلا ننكر بأن هناك نواباً سابقين كانوا سماسرة غطاء في عقود الأسلحة، حصلوا منها على مبالغ عززت شهيتهم للمال وللحياة هؤلاء معروفون، لا يستحون من أحكام الزمن، وهم عارفون بأن الزمان تغير وليس لهم.
وفي حملة الانتخابات وفي ملاحظات المرشحين ظهرت مؤشرات حول المسار القادم للمداولات داخل البرلمان تتصل بجوهر المبادئ التي تتركز عليها التجربة الديموقراطية وأبرزها التوافق وتقبل الحلول الوسط والسعي نحو صيغ مرضية، ويبدو أن هناك معاناة من ثقل القيود الضيقة التي تفرضها صيغة التراضي، ومنها ما صدر من النائب السابق السعدون الذي دعا إلى إشهار الأحزاب كما جاء في صحافة يوم السبت الماضي، لكن مثل هذه الدعوة لن تأتي بالاستقرار المنشود ما لم تتبدل بعض البنود الجوهرية في الدستور، وهو أمر ليس مطلوباً في هذه المرحلة.
إشهار الأحزاب يعني قيادة الحكومة لحزب الأغلبية، لا زلنا نحتاج إلى وقت لنستوعب المعاني والابعاد قبل الاندفاع تجاه الوهج التحزبي.
»الأمن الديموقراطي» هي الحالة التي نراها في عالم الديموقراطيات في أوروبا، الجميع فيه متساوون ويسود فيها حكم القانون وحده.
إذا أحسن الناخبون الاختيار يمكن لنا القول بأن الكويت ركبت على الخطوط المؤدية إلى الأمن الديموقراطي، المسيرة طويلة لكن انتخابات اليوم مختلفة عن كل ما قبلها، والحكم على مبررات تفاؤلنا سيكون في نهاية هذا الأسبوع ولننتظر.