كتاب سبر

كلنا ذوو “عنصرية”!

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا
                            فنجهل فوق جهل الجاهلينا
                                                            عمرو بن كلثوم
غضب كثيرون بل وانفجروا غضبًا وتناثرت شظايا ذلك الغضب فأحرقت ماحولها، وتوالت ردات الفعل الغاضبة كموجات هزة أرضية أعقبها تسونامي من التصريحات المؤيدة والمعارضة لردات تلك الأفعال، والمضحك في الأمر أنه لا شيء جديد بعد كل تلك الضجّة، فقد عاد الجميع إلى بيوتهم؛ لينعموا بليلة هادئة ويا دار ما دخلك شرّ وعلى المتضرر الصبر إلى أن يحين وقت شتيمة أخرى!
هونوا عليكم يا سادة، فلا شيء يدعو إلى كل هذا الغضب السافر، فالعنصرية داء يعاني منه الجميع في هذا البلد بلا استثناء، بدءًا من عنصرية أصحاب الأموال تجاه الفقراء وانتهاءً بعنصرية الفقراء فيما بينهم، ناهيك عن العنصرية بين الحضر والبدو، وبين الحضر والحضر، وبين البدو والبدو، ولا عاقل يستطيع أن ينكر وجود مثل هذه العنصرية في مجتمعنا، وكل ما في الأمر أن المجتمع ينقسم إلى قسمين رئيسيين وثالث لا بواكي له، فالقسم الأول هو قسم يصرح بتلك العنصرية المقيته، بل ويمارسها عياناً وأصحابه تفوح من أفواههم رائحة النفايات أجلّكم الله، وقسم مليء بالعنصرية من الداخل، ولكنه يجبن أو يستحي – اختر ما شئت – من إبداء تلك العنصرية على الملأ، فتجدها تتضح في اجتماعاته الخاصة مع أبناء عمومته، أو عبر فلتات لسانه، أو ما لا يخضع لسيطرة عقله من تصرفات جوارحه، ليتبين لنا قبيح طبعه الذي حاول أن يستره بجميل تطبعه، ولكن خاب مسعاه، والقسم الثالث هم الذين يحاولون القضاء على هذا المرض الفتّاك وحماية المجتمع منه وهم قلة قليلة، غرباءُ من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، ومن يردهم أكثر ممن يستقبلهم، وكيف لا، فهم أناس مصلحون في قوم سوء كثير!!
العنصرية يا سادة لا تنحصر في سبة جاهل أو شتيمة جويهل، بل هي أشد وأنكى من ذلك، العنصرية بحر متلاطم الأمواج وكل يسبح فيه بقدر عنصريته، أنت يا من أغضبتك إساءات ذلك الجاهل، هل سألت نفسك عن رأيك حين يكون الحديث إلى حيث تشير البوصلة دائماً؟! وأنت يامن تغضبك التفرقة العنصرية هل سألت نفسك عن موقفك من توحيد الجنسية، ومن تجنيس البدون؟! وأنت يا من أغضبك بعض السباب هل سألت نفسك عن موقفك حين يسئ إليك وافد آسيوي ، وهل تكون ردة فعلك بنفس القوة التي لو أساء فيها إليك مواطن ؟! وأنت يامن أغضبك الشتم هل سألت نفسك من الذي قسم الناس إلى “شيوخ ورعيان” وهذا مو من ثوبنا وهذا مو من ملبوسنا، وهذا مرده إلى كذا وهذا مرده إلى كذا؟! ومن الذي يطلق النكات على بعض القبائل ويصفهم ببعض الأوصاف ويلمزهم بتقليد لهجاتهم؟!
كل ذلك عنصرية بغيضة وإن سميناها بأسماء أخرى ، لكن حقيقتها ثابتة لا تتغير ؟ وهي إزدراء المقابل والنظر إليه باستصغار واعتباره من منزلة هي أقل من منزلتنا وتسفيه رأيه وعدم إعطائه حقوقه وتقسيم الناس إلى أقسام بعضهم مرضي عنهم وعليهم، وبعضهم من المغضوب عليهم والضالّين.
لو تفكرنا جيدا ببعض تعاملاتنا مع الآخرين وبعض نظراتنا تجاههم لوجدنا أننا ننضح عنصرية بشكل مهول، ونحاول أن نتستر خلف بضع كلمات نظن أنها تخفي تلك الحقيقة السيئة عن مجتمع باتت العنصرية تنخر فيه ، بل لعلها السبب الرئيسي في كثير من المشاكل التي تعصف بالبلد ، وأن كل ما نتعرض له من سباب وشتم فإنما هو بضاعتنا قد ردّت إلينا، فلنقتص الحق من أنفسنا وليبدأ كل منّا بمعالجة نفسه من هذا المرض الخبيث بتذكير نفسه أن الناس سواسية كأسنان المشط وأن مقياس الكرامة يكون بالتقوى والقرب من الله لا بشيء آخر.
قبل الختام… أتذكر طرفة سمعتها عن رجل سألوه عن أكثر ما يبغض في هذه الحياة؟ فأجاب بقوله: العنصرية والعبيد! هذا بالضبط ما يلخص المقال أعلاه.
 
منصور الغايب