أقلامهم

منى العبيدان : الأسياد عندنا يتلذذون بسفك دماء أبناء جلدتهم ويبدعون بصناعة الموت بذرائع شتى

 
سورية.. وإشكالية الأزمة ما بين التدويل والتعريب



د. منى العبيدان


قصة ظلم الإنسان للإنسان وتغوله الصارخ هي قصة تاريخية منذ الأزل، وظلم الأنظمة المتسلطة قصص ستستمر إلى ما لا نهاية.. فمسلسل العنف والقمع لا تلوح له في الأفق نهاية حيث يتعاطى معه البشر بشكل مخيف، فالأسياد عندنا يتلذذون بسفك دماء أبناء جلدتهم ويبدعون بصناعة الموت بذرائع شتى بحجة مواجهة الإرهاب أو التخوين..أزمة سورية واستعصاء الأمور فيها أثار مزيدا من اللغط الشائع في أن الحل لهذه الأزمة هل يكون عسكريا.. أم كيف يكون؟


من هنا جاءت مبادرات الجامعة العربية لتعريب الحل في أزمة سورية وذلك بطرح خريطة طريق لحل سياسي رفضتها دمشق بحجة أنها تنطوي على نقل سلمي للسلطة وتنحي الرئيس. وبفشل تلك المبادرات أصبحت الجامعة العربية مضطرة لتحويل ملف سورية إلى مجلس الأمن لتدويل مبادرتها.


ولو أمعنا النظر بعمق لتعاطي مجلس الأمن وتعامل أعضائه المتمتعين بحق النقض يجعل الإنسان العربي متيقنا بأن السلطة العليا المتمثلة بالمجلس تغير مواقفها وفقا لمصالحها، فقد كانت القوة الإمبريالية العظمى تستخدم الفيتو لحماية «الحبيب المدلل» واليوم تلوح برسالة «مساومة» للشعوب العربية تشير إلى أنه «لا يمكننا أن نسهل ونيسر لكم مطالبكم في الحرية وتحقيق الديموقراطية ضد أنظمتكم المستبدة إلا إذا بادلتمونا النفع والإفادة».. في إشارة إلى الكيان الصهيوني.


فمن المؤكد أن لأميركا القدرة على قلب الموازين بأن تبيع وتخفي أنظمة عربية عن بكرة أبيها في مقابل أن تدفع الشعوب العربية الثمن وهو ليس بزهيد ولو تأنينا في التفكير وأمعنا النظر بمزايا نيل الحريات وميزان الحق الديموقراطي المطلوب لتلك الشعوب العطشى.


واليوم يكون «الفيتو المزدوج» والمستخدم من قبل موسكو والصين لحماية نظام حكم عربي ديكتاتوري منتفعة ببقائه واستمراره ضد حقوق الديموقراطية لشعبه.


فالتحفظ الروسي ـ الصيني (المزدوج) حيال القرار العربي بالرغم من تطمينات المعارضة لموسكو فيما يتصل بمصالحها الإستراتيجية والتسليحية والتجارية المعروفة في سورية والذي أعقبه استخدام الفيتو ما هو إلا خطوة استباقية تجنب موسكو والصين السقوط في مخالب الحصار الأميركي.


والسؤال: لماذا هذا التعنت من قبل كل من روسيا والصين؟


أولا: من الواضح لنا أن التحرك الروسي الراهن يختلف من حيث القوة عن الاتحاد السوفييتي السابق فاليوم تسعى موسكو إلى تحالف مع كتلة إستراتيجية حديثة التشكيل في المنطقة متمثلة في سورية، لبنان، إيران، وتركيا، وقد تنضم لها العراق مستقبلا كما تهدف إلى تعديل ميزان القوى في محاولة منها لاسترداد المكانة والكلمة المسموعة في المحافل الدولية بعدما أصبحت دولة مهمشة، وانعكاسا للتغيرات والمستجدات في المنطقة يكون تحرك روسيا بمنزلة رسالة واضحة للأطراف الأخرى مفادها أنها تمثل قطبا منافسا في الساحة، ليس الأمر مقصورا بأزمة سورية فحسب وإنما على صعيد أزمات الشرق الأوسط بما فيها الأزمة النووية لإيران، فموسكو لا يشغلها إيجاد حل للمشكلة السورية بقدر قلقها على كيفية تكريس دورها في المنطقة وإعادة الثقل الدولي لها كطرف ند لأميركا، والمحافظة على مصالحها مع النظام السوري بدعهما للنظام والذي هو دعم لطهران بشكل غير مباشر ترى فيها السد المنيع في وجه أي تحرك ضدها، بالإضافة إلى حفاظ مصالحها الاقتصادية ممثلة في صفقات الأسلحة ووجود الموانئ العسكري كالقاعدة العسكرية في طرطوس.


ثانيا: محاولة موسكو وقف التدخل الأميركي في شؤونها وذلك حينما وصفت أميركا الانتخابات الروسية بأنها تنقصها المصداقية وتشوبها الانتهاكات والعيوب.


ثالثا: والأهم حرص روسيا على فرض مناخ التفاوض معها حول قضايا دولية وذلك من خلال مطالبتها بحوار بين النظام السوري والمعارضة.


أما بالنسبة للقوة الاقتصادية الثانية وهي الصين، فتطلعها إلى لعب دور سياسي يماثل ثقلها الاقتصادي في العالم كان من أهم مبررات استخدامها الفيتو بالإضافة إلى سعيها في الحد من الدور الأميركي وتقليص حجمه في شرق آسيا خوفا من محاصرة أميركا للصين وتطويقها.


وأمام هذا التخاذل وفي ظل عجز المجتمع الدولي عن وضع حد لهذا الانحدار علينا أن نعيد الثقة بالمبادرة العربية ونفعل دور لجنة المراقبين المشكلة من الجامعة العربية، بالإضافة إلى لجنة مراقبين دولية ومطالبة المجتمع الدولي إلى ممارسة مزيد من الضغط على النظام السوري فهذا هو السبيل الوحيد لمنع حدوث كارثة خطيرة في حالة فهم النظام السوري للفيتو المزدوج بأنه إشارة له بالتأييد لمواصلة ضبط الوضع بالمزيد من المجازر وسفك دماء الأبرياء.


في النهاية، قرار طرد سفراء النظام السوري من العواصم العربية وسحب السفراء العرب من دمشق قرار جريء وقوي، على الرغم من أنه جاء متأخرا.