أقلامهم

جاسم بودي : تعديل مادة دستورية تتعلق بالشريعة السمحاء يستحيل في المبدأ الديني أن يخضع للصفقات السياسية ولعبة المصالح

تعديل المادة الثانية … نقطة نظام

جاسم بودي 
تصعب معرفة الاتجاهات العامة للمجلس الجديد قبل التجربة. لكن السمة العامة للتكتلات تكشف بعض المسارات والمواقف وأهمها الحماسة المفرطة لتعديل بنود دستورية بما يتوافق مع ما أفرزته النتائج انسجاما مع الشعور بالانتصار الذي حققته قوى معينة فرضت بتحركها الشعبي تغييرا… من الشارع.
لن نتحدث عن الحكومة وما هو مطلوب منها ولا عن المجلس وأطيافه، فالتجربة علمتنا أن الكويت «ولادة» وما نراه اليوم على صعيد السلطتين قد يتغير غدا. لكننا سنتوقف بهدوء عند قضية الدستور والتعديلات المطروحة وخصوصا المادة الثانية منه المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
أولا يا سادة يا كرام أهل الكويت مسلمون ومتدينون ومحافظون لكنهم ليسوا منغلقين ومتطرفين ومتزمتين. يعرفون تماما ومنذ مئات السنين واجباتهم وحقوقهم وليسوا بحاجة إلى «أوصياء» ينتهكون الخصوصيات والحريات الفردية والعامة ويفرضون لاحقا «قواعدهم» فيحرمون لعبة كرة القدم أو الموسيقى أو عمل المرأة… الخ.
ثم إن تعديل مادة دستورية تتعلق بالشريعة السمحاء يستحيل في المبدأ الديني أن يخضع للصفقات السياسية ولعبة المصالح، كأن يعطي فريق فريقا آخر امتيازات مناصبية في حال وافق على التعديل… ونكتفي بهذا القدر من التوضيح.
وفي كل انتخابات، وقبل أن يبدأ مجلس الأمة عمله رسميا نسمع عن حشد نيابي لتعديل المادة الثانية. هل هو وفاء لدين انتخابي؟ هل هو لتبرئة الذمة أمام الناخبين؟ هل هو للمزايدة وتسجيل موقف؟ فالموضوع بحث مرارا ورفع الى القيادة العليا وعرف الكويتيون جميعا من يريد التعديل ولماذا يريده. لكننا نتساءل هنا أيضا: ألا يعرف من يدعو إلى تعديل المادة الثانية من الدستور وفق بعض الصيغ التي طرحت ان ذلك يعني لو تحقق إلغاء للمادة الرابعة من الدستور؟ ام انه يعرف ولا يجرؤ على الاعتراف؟
أهل الكويت ذاكرتهم ليست قصيرة وهم قادرون على التمييز بين المبدئيين والمزايدين، وهم يتساءلون: أليست مكافحة الفساد جزءا من تطبيق الشريعة الاسلامية؟ القانون ينص على ذلك. كشف الراشي والمرتشي؟ متابعة المخالف وملاحقته حتى إحقاق الحقوق؟ تطوير الإدارة؟ التنمية؟ والشيء بالشيء يذكر، هل التوسط لمجرم أو سارق يعتبر تطبيقا للشريعة؟ الصفقات السياسية التي تعقد بين نواب ووزراء على حساب أصحاب المصلحة تطبيق للشريعة؟ السكوت عن استنزاف المال العام والدفع بقرارات تنهك مستقبل الأجيال تطبيق للشريعة؟ الضغط من أجل إصدار قرارات «انتخابية» تكرس قيم التواكل واللامسؤولية هل هو تطبيق للشريعة؟
ما نريد قوله إن القوانين الكويتية تتوافق مع الشريعة، وإن احترام النظام العام جزء من الشريعة، وإن الاعتصام بحبل الوحدة والبعد عن التعصب والفرقة والانقسام والشحن المذهبي جزء من الشريعة، وإن الاستقرار وحفظ الأمن جزء من الشريعة… أليس كذلك؟
هذا من حيث المبدأ، أما من حيث التطبيق فلابد أيضا من الحديث عن أمر مهم جدا، وهو ان تعديل الدستور يجب ألا يكون وكالة حصرية لأعضاء مجلس الأمة، فالتعديل ليس قانونا لإنشاء جامعات خاصة أو قرارا يتعلق بالاسكان أو الراتب التقاعدي. التعديل يتعلق بمصير أمة ولذلك المطلوب أن يحظى هذا الأمر بأوسع مظلة تمثيلية للأمة لا أن يخضع لرغبات ممثلي امة انتخبوا لفترة أربع سنوات ويمكن ألا يعاد انتخابهم. اليوم يطغى الطابع السياسي الإسلامي على البرلمان فتتجاور الأصوات لتعديل المادة الثانية. غدا يمكن أن نرى مجلسا يغلب عليه طابع آخر فتتجاور الاصوات لتعديل مواد اخرى.
قلناها مرارا إن أمرا بحجم تعديل الدستور أو تطوير النظام الديموقراطي يحتاج الى مؤتمر وطني جامع يضم كل السلطات إضافة إلى شخصيات وطنية وأكاديمية وقانونية وخبراء وخبرات. يضم كل اطياف المجتمع وشرائحه وتحديدا فئة الشباب التي لعبت الدور المحوري في التغيير السياسي الذي حصل، وفئة الشباب التي أعطت دستوريا ما لم تعطه الطبقة السياسية المخضرمة من حيث ضغطها على المرشحين والناخبين لرفض الفرعيات، وفئة الشباب التي بلورت ميثاقا حضاريا نتمنى أن يطبق النواب الجدد نصف ما جاء فيه… هذه الفئة هل أخذ رأيها في التعديلات الحالية أو هل سيتم تجاهل رأيها في الأيام المقبلة؟
كلمة أخيرة، بهدوء وبهدوء وبهدوء…
لا يعتقدن أحد أنه يستطيع ببساطة أن يصادر حقوق الكويتيين أو أن يتجاوز الوكالة التمثيلية المعطاة له، فهذه الوكالة معبر لتطوير الموجود نحو الافضل وليست رخصة لهدم ما هو موجود… ولأهل الكويت كلام آخر إن تمادى البعض.