آراؤهم

النقيضان شلقم والجعفري

تابعت يوم أمس كلمة مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري الإيراني الأصل الصفوي الولاء، وهو يحاول عرقلة مناقشة تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المختص بسورية – بأعذار قانونية وإجرائية – الذي يشخّص بحيادية وبدقة عالية ومهنية متكاملة قمع النظام السوري لشعبه، وارتكابه جرائم بحق السوريين المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة في مظاهراتهم واحتجاجاتهم السلمية، ترقى – كما وصفت رئيسة المفوضية نافي بيليه – إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية يستحق عليها تقديم رموز هذا النظام إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي، دون أن يتمكن من إقناع رئيس المجلس ومندوبي الدول الحضور بدعاويه الباطلة؛ حيث تابع المجلس الاستماع لكلمة نافي بيليه المؤثرة، بما حوت من وقائع ودلائل وقرائن موثقة وذات حرفية ومهنية عالية لا يشك في مصداقيتها، تكشف بالأدلة الدامغة ما يرتكبه النظام السوري من جرائم بحق شعبه.
ومما جاء في كلمة المفوضة السامية نافي بيليه، ملمحة إلى الفيتو الروسي والفيتو الصيني، قولها: “إن فشل مجلس الأمن في الاتفاق شجع النظام السوري على استخدام القوة المفرطة لسحق المعارضة”. مضيفة “أن القوات السورية ارتكبت – على الأرجح – جرائم ضد الإنسانية خلال قمعها للحركة الاحتجاجية في سوريا”، مشيرة “إلى أن قصف حمص على مدار الأيام الماضية أوقع نحو 300 قتيل”.
وحثت بيليه المجتمع الدولي “أن لا يجعل هذه الجرائم تمر دون عقاب”، كما طلبت من مجلس الأمن “تحويل ملف حقوق الإنسان في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
وحذرت بيليه في ختام كلمتها من احتمال نشوب أزمة إنسانية في سورية ومن مخاطر الحرب الأهلية، مشيرة إلى أن “مكتبها أصبح غير قادر على متابعة حصيلة القتلى والجرحى في سورية”.
وبعد كلمة بيليه كانت كلمة الجعفري التهريجية المسهبة المحشوة بالأكاذيب والإدعاءات التي حاول خلالها استدرار عطف الحضور والضحك على عقولهم، فقد كانت كلماتهم فيما بعد تضحد افتراءات الجعفري وأكاذيبه، وكان من أقواها كلمة مندوب ليبيا الذي شبه جرائم الأسد بجرائم القذافي، مطالباً المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته ويضع حداً لهذه الجرائم الوحشية التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه.
وهنا يحضرني موقف مندوب ليبيا في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم الذي أبى ان يكون صوت الباطل لحاكم ليبيا دون الوقوف إلى جانب شعبه المظلوم المنتهكة حقوقه، حيث دعا مجلس الأمن الدولي للتدخل لإنقاذ ليبيا وشعبها من أعمال القمع التي يتعرض لها المتظاهرون المناوئون لنظام القذافي. وبكى شلقم، وأبكى الحضور. 
واستنكر شلقم بكلمته تهديدات الزعيم الليبي بقتل شعبه وحرق ليبيا وتحويلها إلى ”كتلة من الجمر” – كما يفعل الأسد الصغير اليوم بشعبه وبلده – داعياً الأطراف الدولية الى التحرك ووقف حمام الدم عبر اتخاذ قرار حاسم وشجاع. 
كما شكك شلقم في كلمته أمام لمجلس الأمن الدولي، في حقيقة المظاهرات المؤيدة للقذافي التي كان يعرضها التلفزيون الليبي – كما يفعل ويكرر نفس السينفونية سيد الجعفري الأسد الصغير اليوم – مشيراً إلى أن معمر القذافي أخرج الأطفال من دور الرعاية الاجتماعية وألبس الجنود ملابس مدنية للمشاركة في مظاهرات مؤيدة له، وهذا ما نشاهده على الفضائية السورية في هذه الأيام للمليونيات التي يسيرها بشار الأسد. 
وأكد شلقم في كلمته أن الليبيين تظاهروا بصورة سلمية وهم ينشدون الديمقراطية والتقدم لبلادهم، لكن القذافي وصفهم بأنهم يتعاطون حبوب الهلوسة، وهذا ما يحصل في سورية اليوم فقد وصف الأسد الصغير المتظاهرين السلميين بالجراثيم والمندسين والإرهابيين. 
وكان شلقم قد أعلن في كلمته تخليه عن نظام القذافي، في حين يدافع الجعفري اليوم عن سيده الذي يقتل شعبه منذ أحد عشر شهراً، ويتمسك بهذا النظام الفاشي بقوة لأنه جزء منه وحلقة من حلقاته، وهذا يؤكد لنا طبيعة هذا النظام الذي جمع حوله جيوش الأفاكين وحثالة المجتمع وسفهائه ولصوصه ومفسديه وعتاة مجرميه والمرضى فكرياً وأخلاقياً والمنسلخين عن الوطن، ليجعل منهم قادة المجمتع، والرحى التي تدير عجلة الدولة ومؤسساتها وتتحكم بكل مفاصل الحياة فيها، وهذا الحال دفع أبناء الوطن للثورة على هذا النظام الوحشي المتخلف بعد أكثر من أربعين سنة من الحكم الديكتاتوري المستبد الفاسد، لم يجن خلالها الشعب السوري إلا الجراحات والعذابات والآلام والفقر والتخلف والانكسارات والهزائم.