استقالة المحافظ.. وحكومة بتركيبة «9/8»
فيصل الزامل
قبل الحديث عن استقالة الشيخ سالم الصباح من البنك المركزي سنتوقف قليلا عند ما يجري في اليونان – كمثال للتوضيح – الذي يمثل نموذجا لما يمكن أن يحدث في الكويت بعد رفع الرواتب بشكل عشوائي الى الضعف (مثلا من ألف الى ألفي دينار) بعيدا عن أي مؤشرات «اقتصادية» مثل معدل التضخم أو «ادارية» تتعلق بربط الزيادة بالأداء .
فإذا قيل لهذا الموظف الذي توسع في الإنفاق الاستهلاكي والتزم بأقساط اضافية وربما تزوج للمرة الثانية أو اشترى منزلا أكبر وهو الآن في منتصف مرحلة بنائه، ان خطة الإنقاذ الاقتصادي تتطلب – كما في اليونان – خفض راتبه من ألفين الى ستمائة دينار، فقد يحدث معنا مثلما جرى هناك الاثنين الماضي حيث تم حرق العاصمة وأضرمت النيران في سبعة مبان يعود بعضها الى العصور القديمة من مسارح وكنائس وأتلف الجمهور المرافق العامة في نوبة غضب على الاتحاد الأوروبي الذي قدم خطة إنقاذ وافق عليها الحزبان الحاكمان بالأغلبية الكاسحة في البلد الذي صدر الديموقراطية الى العالم ومع ذلك لم يتقبل نتائجها، فقبول الرجوع الى ستمائة دينار شيء صعب يحتاج الى تأهيل نفسي وحزمة إجراءات ادارية لتطويق آثار تلك الخطوة.
في الكويت، تم نفخ الرواتب بضغط من بعض النواب، ولم تنفع تحذيرات الاقتصاديين، وعلى رأسهم الشيخ سالم الصباح الذي كافح لأكثر من سنتين هذا التوجه المدمر الى أن عجز عن الصمود أمام مشروع موازنة السنة المالية للعام 2012 – 2013 والذي يتطلب إنفاق 22 مليار دينار، ولا تكفي المقارنة مع رقم السنة السابقة فهو رقم تراكمي يعكس سنوات من التبذير المالي والهدر في قوة الإنتاج، ترافق مع تعطيل مزمن للمشاريع التنموية التي تحقق قيمة مضافة لموارد الدولة.
في هذه الظروف تكون خسارة الكويت كبيرة باستقالة رجل يقول «لا» في التوقيت الصحيح، مثلما حدث في موضوع ربط الدينار بالدولار، وصدقت رؤيته مع تآكل قيمة الدولار، وقال «لا» لموضوع المارجن – هامش التمويل للمضاربة بالأسهم – فلما جاءت أزمة 2008 وما تلاها تبين أن هذا القرار قلل كثيرا من الأضرار التي كانت ستصيب المتعاملين، واليوم قال «لا» بعد صبر طويل، ترافق مع ما يحدث في الساحة النيابية حيث خسرت الدولة تماما قدرتها على اتخاذ القرار الاقتصادي الرشيد.
لهذا، أعتقد أن مطالبة حيازة النواب لتسعة مقاعد وزارية، عبر أشخاص يمثلونهم، هو خيار مقبول، وان لم يتم كما ظهر تشكيل الأمس، فالقرارات الحكومية في السنوات الأخيرة تصدر برغبات بعض النواب، وتلغى «قرارات استراتيجية» وفق توجيهاتهم المتسرعة ولكنهم لا يتحملون مسؤولية أي من تلك القرارات، فليواجهوا الواقع وليتحملوا المسؤولية بدلا من ممارسة السلطة والمحاسبة معا، صحيح أننا جربنا عام 1996 توزير ستة نواب وكانت النتيجة هي توظيف الصلاحيات الوزارية للطموح الشخصي للوزير/ النائب، وحصول المعارضة على الأغلبية في الحكومة يعني أن تتحمل النجاح أو الفشل بشكل جماعي، بدلا من استفراد الوزير/ النائب بالمنافع لشخصه وخططه، وبالمناسبة لم يرجع أي من هؤلاء الى كرسيه، فقد عبث من عبث وتضررت البلاد ولم يستفد العابث سياسيا، وان استفاد ماليا!
أضف تعليق