أقلامهم

عدنان فرزات : المعارضون هي الهدية الاخطر التي قدمها النظام السابق في سورية للنظام الذي تلاه.

دور أبناء المعارضين في الثورة السورية

عدنان فرزات
كثيرون يظنون ان مَن يقود الحراك السياسي خارج سوريا، هم من السياسيين المحترفين، او من المعارضين التقليديين الذين يظهرون على شاشات التلفزيون. ولكن لم يتنبه احد – ربما – الى ان غالبية الانشطة السياسية يقوم بها اليوم جيل جديد من الشباب السوري، معظمه لم ير سوريا، وولد خارجها، وهؤلاء هم ابناء المهجرين قسرا عن وطنهم منذ الثمانينات وما بعدها، حيث ولد جيل كامل لا يتجاوز متوسط اعماره الثلاثين، اما في البلاد العربية واما الاجنبية، وهم اليوم بمكانة الريح التي تهب فتتلمس آثارها ولكنك لا تراها.
بعد هروب المعارضين السياسيين في الثمانينات الى خارج سوريا، وفيهم قسم كبير من مدينة حماة التي كانت هي دائرة الاحداث، بسبب تمركز حركة الاخوان المسلمين فيها، لم يكن لهؤلاء من بد سوى التأسيس لحياة طويلة في الخارج، وخصوصا بعد انهيار مشروعهم، وتمكنت السلطة من استعادة زمام الامور. عندئذ اخذ المعارضون الذين انتهى بهم المطاف في ارجاء العالم الى تأسيس حياة كاملة، فشكلوا عوائل، وانجبوا الاولاد باعداد مطمئنة تعكس مدى تفكيرهم في الاستقرار الدائم. بل ان بعض هؤلاء اصبح على تواصل مع الفعاليات السياسية والدينية لاهل البلد الذي عاش فيه، فتحقق له مزيد من الاستقرار والامان.
ولكن مع كل هذا الانتقال المكاني الكامل، لم ينقطع الخيط الروحي الذي يغزل حنينه الطبيعي للوطن، فشب الاولاد على تساؤلات كبرى عن وطنهم، واجاب عنها الآباء بمزيد من الالم والحسرة، وراحوا بالتأكيد ينقلون الى مخيلة ابنائهم، صور الاحداث التي شاهدوها في حماة، وهؤلاء بدورهم تشربوا روح رد الاعتبار لآبائهم ولانفسهم، وما ان اتيحت لهم الفرصة حتى تحركوا بشكل يكاد يكون منظما تنظيما عفويا، لان المصير الذي يجمعهم واحد. واصبح جيل المهجرين اخطر على النظام من جيل الآباء، والسبب ان هذا الجيل دخل مجال تكنولوجيا الاتصالات، واصبحت افكاره اكثر تطورا وفاعلية، وهذا ما شاهدناه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اضف الى ان هؤلاء الشباب شكلوا علاقات جديدة، سواء من ابناء البلد الذي يعيشون فيه او من مواطنيهم وليس بالضرورة من المهجرين مثلهم، بل من المقيمين ايضا بشكل عادي.
ولذلك فكثير من ابناء المعارضين المهجرين، هم الذين يتحدثون اليوم كناطقين اعلاميين باسم الجهات الثورية، وهم الذين يجمعون التبرعات ويقومون بدور هائل على الانترنت، وبذلك نجد ان خطأ النظام السابق في عدم احتواء هؤلاء المعارضين، ادى الى تكاثرهم، فبدلا من ان يكون هناك معارض واحد هو الاب، اصبح هناك الابن والابنة واصدقاء الابناء، وحتى جيرانهم الذين تأثروا بأفكارهم. وهي الهدية الاخطر التي قدمها النظام السابق للنظام الذي تلاه.