آراؤهم

دستور مداده دم ويراعه سكين

في هذه الأجواء القمعية الرهيبة.. والمدن السورية مقطعة الأوصال، وشلالات الدم تنزف من أجساد شعبنا في طول البلاد السورية وعرضها، وجثامين الشهداء والجرحى تملأ الأزقة والميادين والشوارع والأحياء لتعذر المواطنين من إخلائها حيث رصاص القنص بالمرصاد، وأكوام الجثث المختلطة بأساس المنازل والحجارة والتراب ترقد تحت ركام البيوت المهدمة والمنهارة بفعل القصف الوحشي الذي يقوم به جيش الاحتلال الأسدي، يحول دون الوصول إليها القصف المتواصل وزخات الرصاص التي لا تتوقف.
 في هذه الأجواء الدامية الرعيبة خرج علينا فرعون سورية الصغير بإصدار مرسوم يتضمن مسودة دستور جديد مستنسخ عن الدستور الذي سبق ووضعه فرعون سورية الكبير عام 1973 يريد فيه التدليس على حلفائه في قم وموسكو والضاحية الجنوبية، ليحصل منهم على مزيد من الدعم والتأييد، كرّس في هذا الدستور كل السلطات في شخصه. 
فالدستور لم يأت بأي شيء جديد سوى محاولة تغيير تعبيرات الاستئثار والسيطرة والتفرد بالحكم بمفردات ملتبسة، حيث أبقى على السلطات كاملة  بيد رئيس الجمهورية وبالسيطرة على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. 
فالمادة (97) تنص على أن رئيس الجمهورية يسمي رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفائهم من مناصبهم، وتنص المادة (98) أن رئيس الجمهورية هو من يضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها، وتنص المادة (99) أن رئيس الجمهورية يدعو مجلس الوزراء للانعقاد برئاسته، وله طلب تقارير من رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وفي المادة (100) يُصدر رئيس الجمهورية القوانين التي يقرها مجلس الشعب، وفي المادة (101) يُصدر رئيس الجمهورية المراسيم والقرارات والأوامر، وفي المادة (102) يُعلن رئيس الجمهورية الحرب والتعبئة العامة ويعقد الصلح، وفي المادة (103) يُعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويُلغيها بمرسوم، وفي المادة (104) يعتمد رئيس الجمهورية رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى الدول الأجنبية، ويقبل اعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية، وتنص المادة (105) على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ويصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة، وتنص المادة (106) على أن رئيس الجمهورية يعين الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم وفقاً للقانون، وتنص المادة (107) على أن رئيس الجمهورية هو من يبرم المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويلغيها، وتنص المادة (108) أن من حق رئيس الجمهورية وحده منح العفو الخاص، وله الحق برد الاعتبار، وتنص المادة (111) على أن رئيس الجمهورية هو من يحل مجلس الشعب، وتنص المادة (112) على أن رئيس الجمهورية هو من يعد مشاريع القوانين ويُحيلها إلى مجلس الشعب للنظر في إقرارها، وتنص المادة (115) أن لرئيس الجمهورية الحق في تشكيل الهيئات والمجالس واللجان الخاصة وتحديد مهامها وصلاحياتها بقرارات تشكيلها، وتعفي المادة (117) أية مسؤولية عن أعمال رئيس الجمهورية التي يقوم بها في مباشرة مهامه. في حين تنص المادة (84) فيما تنص من شروط في المرشح إلى منصب رئيس الجمهورية أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشرة سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح، وبالتالي حرمان الآلاف من المنفيين قسرياً من حق الترشح لهذا المنصب. 
وإذا ما أسقط الدستور الجديد المادة الخامسة التي كانت تجعل من حزب البعث القائد والموجه للدولة والمجتمع، فقد حصر اختصاص تلك المادة بشخص الرئيس الذي يمسك بكل السلطات.
هذا غيض من فيض من السلطات الواسعة التي منحها الدستور الجديد لرئيس الجمهورية الذي سيكون ولا شك الفرعون الصغير، الذي يحق له بموجب هذا الدستور الترشح لفترتين رئاسيتين جديدتين كل واحدة منهما سبع سنوات، بغض النظر عن السنوات الاثني عشر السابقة التي حكم فيها البلاد، فالدستور الجديد يجب ما قبله، وبالتالي فإنه لن يعدم الحيلة أو القوة في تعديل المادة التي تحدد عمر المترشح للرئيس الذي سيخلفه لتتناسب مع سن ابنه حافظ – كما فعل هو – ليورثه الحكم كما ورثه هو عن أبيه!
وبالتالي فإن مسرحية إصدار دستور جديد لن تنطلي على الشعب السوري الذي اتخذ قراره الذي لا رجعة فيه وهو (إسقاط النظام ورحيل رأسه).