أقلامهم

بدرية البشر : نحن في مواجهة أزمة يغيب فيها العقل والخلق الرفيع لمصلحة مجاملة حملات غوغائية لا تريد أن تقف عند تغريدة شاب زلَّ وتاب

تغريدة الدم

بدرية البشر
أطلق شاب لم يتجاوز الـ23 من عمره تغريدة على حسابه في “تويتر” بمناسبة المولد النبوي الشريف، فهزت هذه التغريدة، باستهتارها وعدم تأدبها مع مقام الرسول، صلى الله عليه وسلم، الرأي العام المحلي، وصارت حديث المجالس والشارع الغاضب.
الشاب حمزة كشغري صُدِم هو الآخر بردة فعل تغريدته، وسارع إلى تصحيح عباراته، فكتب اعتذاراً وأعلن توبته، وهرع باكياً إلى شيخ المسجد يقر بجهله ويتبرأ مما كتب ويجدد إسلامه، لكن هذا لم يكن كافياً لحملة تأديب حمزة كشغري، فالسيوف البتارة قد أُخرِجت من أغمادها، ولا أحد من فرسان حملة تكفير كشغري يريد العودة إلى بيته مهزوماً دون “راس غليص” الذي لم يكن سوى فتى صغير ضال أخطأ التعبير وأساء الأدب.
ثارت الدنيا بكاء وعويلاً على ترك فتى يسيء الأدب إلى مقام رسولنا، صلى الله عليه وسلم، فانطلقت الصيحات تنادي “اقتلوه… حاكموه… اسجنوه” وكلما حاول أحد أن يلفت نظر هؤلاء إلى أن الشاب قد أخطأ، لكنه أعلن توبته وتراجع وتاب، أو أنه صغير السن في حاجة إلى الرفق واللين والإرشاد والمناصحة، هاج مريدو حفلات القتل، وسخروا من توبته، موقنين أنه ما تاب إلا خوفاً لا اقتناعاً، متناسين قول النبي، صلى الله عليه سلم، في حادثة مماثلة: “هل شققت عن قلبه؟”.
منذ عام تقريباً، عقد أحد شيوخ الوعظ والإرشاد اجتماعاً في بيته مع بعض الشيوخ المشتغلين بالدعوة، وحثهم على المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة مثل “فيس بوك” و”تويتر” لأنها مركز تجمع شبابي كبير، وساحة مفيدة للوعظ والإرشاد يجب عدم إهمالها، رغم ما تمثله من تحدٍّ كبير لكثير منهم؛ فبعضهم لا يجيد التعامل مع هذه التقنية الحديثة، لكنهم نجحوا ودخلت أسماء بعضهم قائمة الأكثر تأثيراً في هذه الوسائل بالعالم العربي، وما لم يكن في الحسبان هو أن يتحول هذا الوجود إلى محاكم تفتيش تطير بكل زلة لسان وكل غلطة “تويترية” وتجعل منها مصائد تقنص المغرد وتعجل بالحكم عليه، حتى قبل أن تراجعه وتمنحه فرصة للعودة أو الاعتذار.
لا عاقل يقبل أن يتهور مسلم أو غير مسلم بالتعدي على مقام الأنبياء أو الذات الإلهية، لا مازحاً ولا جاداً، لكن من غير المقبول أيضاً ألا يكون للتعبير عن حب سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، والذود عنه إلا طريق واحد، هو الشتائم والسباب والتهديد وإراقة الدماء، وأن تحيد حملات الدفاع عن رسول الله عن خلقه، وقد كان هو سيد الرحمة والحلم والمغفرة، وهو الذي رفض يوم آذاه سفهاء الطائف، وهم كفار، أن يُطبَق عليهم الأخشبان، وهما جبلان في الطائف قائلاً: “أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً”.
وهو القائل: «والذي نفسي بيده لإسلام رجل واحد أحب إليَّ من قتل ألف كافر»، فما بالنا بمسلم مثل حمزة كشغري نشأ في بيئة متدينة، وكان طالب علم في حلقات تحفيظ القرآن، بل كان مدرساً كذلك في إحدى حلقات التحفيظ، بحسب ما أشارت والدته في مداخلة تلفزيونية ومن بيت مسلمين؟!
هل أردنا من هذه الغضبة أن نعيد ابناً ضالاً إلى دار الهداية؟ أم أردنا مطاردته وتكفيره وخسارته وخسارة شباب تفرجوا معنا على ردود فعل هوجاء ليست حيال الشاب فقط، بل مع أهله كذلك، فأشاعت أرقام هواتفهم وخريطة منزلهم؟! نحن في مواجهة أزمة يغيب فيها العقل والخلق الرفيع لمصلحة مجاملة حملات غوغائية لا تريد أن تقف عند تغريدة شاب زلَّ وتاب، بل تدمدم متجهة صوب تيار المثقفين والتنويريين وبرامج الإصلاح وبرنامج ابتعاث الطلبة وكتاب الرأي والصحف، والله وحده يعلم أين ستقف؟.