أقلامهم

عبدالله بشارة يشير الى أبرز المشاهد في هموم النطق التي أشار اليها الخطاب السامي … وتمنياته من صوت وطن مرهق

تمنيات من صوت وطن مرهق
عبدالله بشارة
تابعنا افتتاحية جلسة البرلمان التي بدأت مع النطق السامي، وحديث رئيس الوزراء، ومداخلات رئيس السن، في جلسة توحي بمؤشرات التوتر القادم داخل أطراف المجلس، بين معظم الأطراف وبين الحكومة التي تجد نفسها، ربما لأول مرة في تاريخ الكويت البرلماني، تواجه أغلبية معارضة قادرة على تجميد أعمالها والتاثير في أولوياتها وربما حشرها في زاوية الضيق والتأفف.
هذا ما تتصوره أغلبية الكويتيين المتابعين الذين يجاهرون بالقول المتشائم، وشخصيا أميل الى المنحى التفاؤلي في أعمال المجلس لمسببات كثيرة، لكن أبرزها وجود مؤسسات قادرة على امتصاص الحدة ومحصنة بتجارب في تطويق الانفلات، اعتمادا على غزارة شعور وطني متفجر في الرغبة نحو البناء والإنجاز، ويصر على تسخير الامكانات الظاهرة والكامنة لمسيرة عمل متواصلة، بعد ان سئم جمود الماضي، وضجر من تركيز الماضي على استمرار الحياة دون حصيلة مرضية من الأعمال.
جاء النطق السامي حاملا أبرز هموم المواطن من ضرورات الإنجاز في التنمية والبناء، وحماية الوحدة الوطنية وازالة تشوهات الفساد المستشري، وحوارات مع الشباب، ولم يبتعد عن هذا المسلك خطاب رئيس الوزراء، وجاءت مداخلة رئيس السن معبرة عن آماله كمواطن شاهد وتأمل غمره الأمل في مستقبل زاهر.
وبودي ان أشير الى أبرز المشاهد في هموم النطق التي أشار اليها الخطاب السامي، وكذلك بيان حكومة الكويت الجديدة، مع اعجابي بالوزراء الذين استجابوا لصيحة الوطن وقبلوا التحدي، وهم عارفون بثقل التبعات وسخافة الخناقات:
أولا – يتحدث سمو الأمير الى الجميع، نوابا وغيرهم، كأمير ووالد ومرجعية وربان يملك القرار الأخير، في نبرة فيها الحرص على سلامة الجميع، المواطن وترابه وأمنه وسلامته، بتوجيهات واضحة بأن الإنجاز من ثمار التعاون الجماعي الذي يرضي الراي العام الكويتي، وينال مؤازرته، مع وقوف عند بناء الأرضية الصالحة للتنمية.
ومن أهم معالم التنمية القادمة تصفية مؤسسات الفساد، كما أشار سمو الشيخ جابر المبارك رئيس الوزراء في التزامه مكافحة الفساد ومنعه ودرء مخاطره وملاحقة مرتكبيه، واسترداد الأموال والعائدات الناتجة منه وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والاقليمية وارساء مبدأ الشفافية والنزاهة في المعاملات الاقتصادية والمالية والادارية.
هذه كلمات ملزمة لحكومة الكويت في يومها الأول، في ضرورة اصدار قانون يجتث الفساد والفاسدين والمفسدين، ونشير الى غطرسة المفسدين في الاستخفاف بكرامة الشعب والاستحواذ غير الشرعي على أمواله، فعلى سمو رئيس الوزراء ان يدرك أن بلاغة مصداقيته ونزاهة سمعته تعتمد على خطواته في اجتثاث الفساد بعد ان تعهد علنيا لشعب الكويت بالملاحقة والمعاقبة.
ومن المؤكد انه سيجد الدعم الكافي من المجلس ومن غيره من جميع طوائف الكويت، ومن أهم خطوات القضاء على الفساد نوعية الردع القاسي، لكي لا يستعيد الفاسدون شهوة استرداد مناقب الحياة الفاسدة.
ثانيا – أزاح سمو الأمير القلق الذي عشناه في مخاوف من تعطيب الوحدة الوطنية وشروخها، خاصة في اشارته الى أولوياته في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مقوماتها ومحاربة الفتن والفرقة، وتسخير وسائل الاعلام المختلفة ورسالتها في تعميق الروابط الوطنية.
ويكمل رئيس الوزراء الافصاح عن عزم الحكومة على اصدار تشريعات بهدف حماية الوحدة الوطنية.
لابد من التنويه باعجاب، باجماع الشعب الكويتي في ولائه للنظام السياسي مجسدا في الدستور وفي بنوده، والمام الشعب بمزايا الموروث في الوحدة التي صانت الكويت وسورتها كصخرة صلبة دائمة لم تهتز عند الملمات، ومع ذلك نعترف بأن حملة الانتخابات الأخيرة ساهمت في تبادلات اتهامية وتحريضية من أطياف المجتمع.
ومرة أخرى يلتزم رئيس الوزراء، بدعم من أبناء الكويت ومن مجلسهم ضرورة استخراج التشريع الخاص بالوحدة الوطنية كأولويات ملحة.
ثالثا – قضايا التنمية تتصدر هموم الوطن، بعد سنوات جفاف وعجاف، ليست من مسؤولية الحكومة السابقة وحدها، وانما هي افرازات أجواء التأزيم التي تسيدت الكويت خلال السنوات الماضية.
وبكل وضوح فان الكويت ترتفع عندما يتسيد التنازع السلمي أطراف المجلس، وعندما يقتنع جميع الأعضاء، معارضين وهادئين، مؤزمين ومرتاحين، بأن المنافسة البرلمانية الآمنة هي طريق التنمية، وأن استغلال المؤسسة الديموقراطية للدفع نحو أهداف شخصية هي عملية الهدم لثوابت الكويت، وفي هذا المنهج أشير بكل وضوح الى ضرورة الابتعاد عن التعبئة التحريضية للجماهير والرأي العام، وعن الاحتكاك الدامي بين أعضاء المجلس وضرورة تجاوز التنازع المعطل، وهي الحالة التي طغت على أوضاع الكويت، والتي أدت الى المناوشات في ساحات الكويت المفتوحة.
ولا ترتفع هامة التنمية مع أجواء الشكوك في الذمم دون دليل، وممارسة التشنيع على منتسبي القطاع الخاص، وملاحقة أعمالهم في المناقصات دون مبررات طالما التزموا القانون، وبصراحة فان سوء الظن والتشكيك يشكلان عقبات تعرقل مسيرة البناء والتقدم، وتعوق الجهود لتحقيق التنمية.
ونواصل القول إن التنمية لا تأتي دون ابداع، مع ضرورة الاستفادة من الطاقات الشبابية الغنية التي تتوافر في الكويت، وضمها الى مسيرة التقدم، والابداع لا يتم في اجواء الانغلاق وانما هو وليد الانعتاق من الأسر الضيق من عتيق الأفكار، وهو ثمرة من غريزة التحدي والتجديد والعزم.
رابعا – هناك ألاف من الكتب والمدونات تتحدث عن دمار التداخل بين السلطة والثروة، وبين الامارة والتجارة، وبين هيبة النص في القانون وبين تسخيره لأهداف شخصية، واذا كنا نتحدث عن خراب الفساد فان أبرز مواقعه تتولد من التزاوج بين السلطة والثروة، وعلاج هذا التداخل لا تضمنه النصوص وقواعد القانون وحدها، وانما من تصميم رئاسة الحكومة على وضع فاصل واضح بين تشابك الخطوط بحيث لا يتسلل النفوذ النخبوي الى بيئة الاستفادة من الوساطات ولي الذراع في ترسية المناقصات وغيرها من لائحة المشاريع والخطط.
ونعرف أن تسلل السياسة الى التجارة عامل يولد خصومات وعداوات وتفكيك لوحدة المجتمع، والمتوقع من رئيس الوزراء، الحازم بالحق، والعازم على الإنجاز، ان يصمد أمام تسللات الباحثين عن مكاسب بدون حق.
نحن هنا نتحدث عن اراض توزع وصفقات تمنح وتسهيلات تقدم، لكنها ستتوقف عند نظافة القيادة والتزامها القانون.
خامسا – نتحدث عن التطور الديموقراطي الذي يتسيد الحالة البرلمانية في فوز المعارضين بأعداد كبيرة، ما كانت تتحقق بدون البهدلات الممجوجة التي طغت على وقائع السياسة عبر التجمعات في الساحات التي صاحبها شعور وطني متفجر في غضبه من الأجواء الكئيبة العامة سواء سياسيا أو تنمويا حتى في الخلافات والشكوك حول الانتماء والولاء، وعزز هذا السخط اتساع الفساد وحجم مكوناته وسوء تقديراته.
يأتي رئيس الوزراء بروح تكاتفية وتعاونية، مسلحا بصدق النوايا وبالعزم على الإنجاز، لكن نجاحه يعتمد على الثقة بنفسه في قيادته للحكومة في زمن حساس مع الوعي بأن أهل الكويت يدعمونه ويريدونه في التنفيذ السريع باقتحام ساحة الفساد وتنظيفها، وبالاصرار على وضع حد للاستفادة من سخاء الوطن من قبل المقربين والمنافقين أصحاب طوابير الولاء المزيف، ويرون الشيخ جابر المبارك بعيدا عن دبلوماسية الاسترضائيات التي كانت سائدة وانتفع منها عدد من النواب السابقين، واستغنى عبرها كثيرون أحسنوا التغريد عند أبواب أصحاب النفوذ.
ونشير باغتباط الى كلمات سمو الأمير المفدى لرفضه أي خروج على القانون، لأن الكويت هي، وستبقى دائما بعون الله، دولة قانون ومؤسسات، وليس هناك أبلغ من هذا المشهد في مؤازرة رئيس الوزراء الذي يحملنا معه في روحه واصراره على أمواج التفاؤل.