أقلامهم

فيصل الزامل … وذاكرة «يا أخي سيبني أكمل، حأقول أكتر»!

الصقور والحمائم.. والنسور!

فيصل الزامل 
 
ها نحن من جديد أسرى لنفس النهج، الاصطفاف القبلي اليوم وبالأمس اصطفاف طائفي وفي الغد تحزب مقيت، كانت الرؤية الضبابية تحصر المشكلة في تغيير رئيس الوزراء فلما تغير.. نقلتنا تلك الرؤية الى أن الرئاسة النيابية الجديدة قادرة على قيادة البرلمان الى بر الأمان.. والعمل المنتج، في المقابل أشارت الرؤية الشمولية الى أن المشكلة في المنهج وأن الفكر الذي بثته الصحافة في نفوس الناس هو «نريد الناطور.. خلوا العنب يخيس» هو الذي يملأ الأجواء الآن، وما لم تحدث تنقية من الهواء الملوث، فسيتكرر نفس المشهد والمستفيد الوحيد هو المطاعم وأصحاب الخيام الذين ينتظرون انتخابات جديدة كل ستة أشهر.
في مجلس 1985 استخدم نائب إسلامي منهج الخطاب السياسي الاستعراضي الذي برع فيه عراب القوميين منذ الخمسينيات، قلت له: «هذا المنهج يسمونه إبراء الذمة بغير إنجاز المهمة، وهو منهج سيئ، وإذا واصلت السير فيه فسيأتي بعدك من يقلدك ويضيف ما ستنكره أنت بسبب الخروج على المنطق والميل الى أسلوب «القبضايات»، وإذا انكرت عليه فسيقول لك: مشكور أنت فتحت الباب، الآن ابتعد وأفسح الطريق لغيرك».. ثم.. بعد عام 1985 بعشرين سنة جاءتنا حكاية «الحنجرة النحاسية» فنسي الناس صاحبنا الذي التقيته في مناسبة عامة، وسألته على انفراد «أتذكر؟» هز رأسه قائلا «نعم».. واليوم يستمر هذا المنهج في إفراز أنواع أخرى أحرجت «الحنجرة النحاسية»، زايدت عليها في سوقها وبالطبع سيضطر صاحب تلك الحنجرة الى أن يفعل مثل أحمد الباقوري، وزير الأوقاف في عهد الرئيس السادات الذي وقف في مجلس الشعب المصري متحدثا بحضور السادات، فقاطعه نائب مزايد عليه في صراخ هستيري: «يعيش بطل العبور..
يعيش بطل العبور» كان الباقوري لايزال واقفا أمام الميكرفون، فالتفت اليه قائلا: «يا أخي سيبني أكمل، حأقول أكتر»!
نعم، نحن الآن في نقلة جديدة، فقد انتهينا من تنازل السلطة التنفيذية عن صلاحياتها للنواب، حيث نقرأ كل صباح تعليمات لكل وزارة من نائب، وها نحن ننتقل الى السلطة القضائية، في جرعة زائدة عسى أن تلبي نشوة الفوز الذي صعق العقول، فتركت تلك الصعقة نواب «الأغلبية» يضعون «أولويات» ويقرأون أوراقا.. واتجهوا من جديد الى المسيرات، مثلما يحدث في ليبيا الآن مع الأسف، بعد أن ذاق الطبيب والمهندس والمحاسب لذة حمل السلاح في «بنغازي» و«سرت» استيقظ داخلهم إنسان آخر، فرفضوا وضع السلاح جانبا والذهاب الى عياداتهم ومشاريعهم العمرانية، وبالطبع عادت الروح الى فلول القذافي فنظموا صفوفهم للانقضاض على الثورة التي وعدت الشعب بالبناء والتعمير، وها هي تواجه مشكلة غياب الشعور بالمسؤولية تجاه شعب ضحى من أجل التغيير، فدخل في مرحلة التدمير.
في الكويت نحتاج الى شيء آخر غير الصقور والحمائم، نحتاج الى نسور تتمتع بالرؤية الشمولية من موقع يرتفع عن حكاية أحرجني وأحرجت، نائب لم ينجح يريد إحراج من نجح… الخ، وهذا جبن من النائب الذي يخاف أن يقول كلمة الحق كمسؤول عن دولة وليس كمرشح تائه في سوق المزايدات.