أقلامهم

عدنان فرزات : «متعدد الانتماءات السياسية»!… مطلوب أمنيا

مطلوب أمنياً

عدنان فرزات 
تتداول مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم، قوائم تحمل أسماء أشخاص في إحدى الدول التي تشهد حراكاً سياسياً في الشارع، ويقول مسربو هذه القوائم إنها لأناس مطلوبين أمنياً. حتى هنا والخبر عادي، كون الشعب في تلك الدولة كله، إما مطلوب أمنياً أو مشروع مطلوب. وأي شخص حتى لو لم يقترف في حياته إلا ذنب أنه لم يشاهد نشرة الأخبار الرئيسية، فهو مدان. ويمكن أن يسامحوه على تجاهله للنشرة الجوية.
أما اللافت في القوائم التي يتم تداولها، فهو وجود الأسباب التي جعلت من هؤلاء الأشخاص مطلوبين أمنياً، هذا حتى لا يقول أحد «المفترين» إن الاعتقال تم من دون سبب!
وطبعاً، تنوعت الأسباب المذكورة في حقل بجانب اسم كل واحد، ما بين فاعل ومحرض ومندس، إلى أن ورد سبب يدعو إلى السخرية فعلاً، وكان من الواجب على المسؤولين عن الموظف الذي ابتكر هذا السبب أن يمنحوه براءة اختراع أغرب سبب أمني لم يخطر على بال أحد، فقد كتب في خانة أسباب أحد المطلوبين العبارة التالية: «متعدد الانتماءات السياسية»! وهذه التهمة «المطاطية» تعني أن الرجل عند الفجر سلفي، وعند الضحى إخونجي، ووقت العصر شيوعي، وعندما يحل المساء يصبح قومياً ناصرياً، وفي السرير.. اشتراكي.
يفترض أصلاً بالجهات الأمنية في تلك الدولة ألا تعتقل مثل هذا الشخص، بل تجنده لمصلحتها، فطالما لديه استعداد لتبديل مواقفه وقناعاته بهذه الطريقة، فهو على استعداد إذن ليكون سلطوياً برتبة محلل سياسي.
أحد المطلوبين الآخرين يبدو أنه وقع بيد مخبر ابن حلال، فكتب بجانب خانته عبارة «كبير بالسن»، ولكن هذه العبارة قد تفيد الرجل بتقليل عدد الفلقات، لكنها لن تفيده في حال أراد الزواج! وهناك مطلوب تلاحقه التهمة التالية: «يتظاهر بشكل دائم وهو حاقد على النظام والقيادة السياسية العليا، ويقوم برسم كاريكتورات مسيئة للقيادة السياسية العليا وتوزيعها على المتظاهرين»، كنت أتمنى لو ذكر المخبر ما هي هذه العبارات. وآخر مكتوب بجانبه صفة: «من الحاقدين»! وهي تهمة تتعلق بعلم النفس لا أدري ما علاقة الأمن بها، وجيد أن المخبر لم يضف إليها صفة «حسود».
القائمة تضم مئات الأسماء، وربما أكثر، وبعض هذه التهم «تودي بداهية»، وهي لم توفر أحداً لا في الداخل ولا في الخارج، وأظن أن مثل هذه التقارير والتقييمات التي سطرها مخبرون على مدى عقود من الزمن، هي التي كانت السبب في تخريب العلاقة بين الشعب والنظام، وهي التي أوصلت البلد الذي يشتعل فيه الحراك السياسي الآن إلى هذا الوضع. فلقد وجد هؤلاء المخبرون مصدر رزق جيداً لهم على حساب آراء الناس ووجهات نظرهم، ولو أن النظام فتح المجال لهذه الآراء لتظهر إلى العلن عبر صحافة حرة أو مؤسسات مدنية، لكفى نفسه وشعبه شر.. القتل والقتال.