أقلامهم

لمى العثمان : من يعوض البدون الذين حبسوا وحكم عليهم بالبراءة؟… لا لعقوبة الحبس الاحتياطي

لا لعقوبة الحبس الاحتياطي

لمى فريد العثمان
يقول أستاذنا حسن العيسى في مقال سابق إن “حوائط السجن المظلمة لا تفرق في دولنا البائسة بين صاحب الكلمة وحامل سكين تنقط دماً أحمر”، منتقداً إجراءات الحبس الاحتياطي التي تصادر حرية الفرد وتنتقص كرامته، والتي تفرط السلطة وتتعسف باستخدامها منتهكة بذلك ما يكفله الدستور من أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا”. 
… لا يسمح في الدول الديمقراطية سلب حرية إنسان قبل إصدار الحكم القضائي إلا في أضيق الحدود إذا اقتضى ذلك مصلحة التحقيق منعاً لتأثير المتهم على الشهود أو العبث بالأدلة أو خشية هروب المتهم.
 التوقيف الاحتياطي ليس عقوبة، ذلك أنه يصدر دون حكم الإدانة إنما تقتضيه مبررات ذكرتها المادة 69 وهي “لمنعه من الهرب أو من التأثير في سير التحقيق”، إلا أن التعسف في استخدام هذا الإجراء يهدر ضمانات حقوق الإنسان التي كفلها الدستور والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الكويت، ليستخدم هذا الإجراء كعقوبة كما حصل مع الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم ود. عبيد الوسمي والمغرد ناصر أبل والمتهمين في أحداث اقتحام مجلس الأمة وأحداث اقتحام قناة الوطن والكاتب المليفي والمئات من البدون الذين تظاهروا سلمياً, وفي كل هذه القضايا انتفت شروط الحبس الاحتياطي كما صرح محامو المتهمين.
 استخدام هذا الإجراء كأداة للعقوبة والتأديب يجري نتيجة الخلل والنقص في التشريعات، فمبررات الحبس الاحتياطي التي يحددها القانون لدينا لا تسببها النيابة في حكمها، كما أن النيابة هي التي توجه الاتهام، وهي التي تصدر حكم الحبس الاحتياطي، فهي الخصم والحكم، الأمر الذي يخل بالعدالة ومبدأ الحيادية، بينما في الدول الديمقراطية توكل هذه المهمة لقاض له سلطات مستقلة (يسمى قاضي الحريات) الذي يستمع لطرفي القضية (النيابة والدفاع عن المتهم)، ومن ثم يصدر حكمه.
 
إضافة إلى ذلك لا يحق في الكويت للمتهم الطعن بحكم الحبس الاحتياطي (الذي قد يجدد لمدة تصل إلى ستة أشهر) إلا لنفس الجهة. كما أن هناك نقصاً في التشريع في ما يتعلق بحق التعويض للإنسان البريء الذي انتهكت حريته، فمن يعوض من حبسوا لأشهر دون وجه حق ثم صدر بحقهم حكم البراءة مثل الجاسم والوسمي وغيرهما؟ ومن يعوض البدون الذين حبسوا وحكم عليهم بالبراءة؟ الذين أطلق سراح 59 منهم بينما لايزال 12 شخصاً منهم معتقلين حتى كتابة هذا المقال لايزالون محبوسين احتياطياً لأكثر من شهر، وقد فُصل بعضهم عن عمله؟ من يعوضهم عن الضرر المادي والمعنوي؟ لا أحد.
 هناك الكثير من القوانين التي تهدر ضمانات حقوق الإنسان التي كفلها الدستور، والتي يجب مراجعتها في إطار إصلاح شامل للسلطة القضائية، بما يرسخ استقلالها وفصلها عن وزارة العدل ليتوافق مع مبدأ فصل السلطات الذي تقره المادة 50، وهو جوهر وروح الديمقراطية التي لا تقوم لها قائمة بدونه، فمونتسكيو (واضع قانون فصل السلطات) يرى أن التجارب المستمرة توضح لنا أن كل إنسان استأثر بالسلطة يميل إلى إساءة استعمالها حتى يجد حدوداً توقفه، “فالسلطة توقف أو تحد السلطة”. والرقابة المستقلة الحرة المتكافئة لكل سلطة (تنفيذية وتشريعية وقضائية) تمنع استبداد وتعسف إحداها على الأخرى، فهي الحامية للحريات وهي الضامنة لمنع إساءة استعمال السلطة.
 وقد جاء في المادة السادسة عشرة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن بعد الثورة الفرنسية أن “أي مجتمع لا تكون فيه الحقوق مكفولة، أو فصل السلطات محدداً، هو مجتمع ليس له دستور على الإطلاق”.